بقلم: د. سامر أبو رمان
أثار قيام شركات وسائل التواصل الاجتماعي
بالتجميد أو الإغلاق النهائي لحسابات الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب، عقب
أحداث اقتحام الكونغرس آخر الاسبوع الماضي، تساؤلات كثيرة حول مفهوم الديمقراطية
وحرية الرأي والتعبير والحدود المفترضة لهذه المفاهيم وتطبيقها!
وكانت تويتر، التي طالما رفعت شعار "حرية
التعبير من أجل الجميع" قد بررت قرارها بالخوف من خطر حدوث مزيد من التحريض
على العنف، وانقسم الرأي العام بين مؤيد للقرار بحجة محاربة الكراهية والعنصرية،
ومنتقد يراه سلباً لحق الغير في حرية التعبير.
ومع الإدانة لكثير من سياسات ترامب المتهورة
وتصريحاته السخيفة، لا سيما ما اتصل منها بالقضايا العربية، إلا أنه ينبغي الاقرار
بأن الرجل، ورغم اصراره المتواصل على أن الفوز قد سرق منه، والادعاء بتزوير
الانتخابات الرئاسية الاخيرة، واستمراره في العمل على تغيير نتيجتها، إلا أنه في
كل ذلك كان يؤكد على سلمية الوسيلة، والاحتكام الى مؤسسات الدولة الأمريكية،
القضاء والكونغرس، وهو لم يدع انصاره الى انتهاج العنف حتى وإن تورط بعضهم فيه.
وفي كلمته التي سبقت الاحداث الأخيرة مباشرة، دعا
ترامب انصاره الى التوجه لإلقاء التحية على اعضاء الكونغرس، والطلب منهم القيام
بالعمل السليم، وعقبها مباشرة، نشر فيديو عبر فيه عن غضبه تجاه أعمال العنف
والفوضى التي شهدها مقر الكونغرس، متهماً المحتجين بأنهم دنسوا مقر الديمقراطية
الأمريكية، ودعا الى الهدوء والمصالحة وعودة المحتجين الى منازلهم، وأكد على اهمية
استعادة القانون والنظام.
إن ما فعلته وسائل التواصل الاجتماعي، ومنها
تويتر، فضلاً عما يعنيه من سقوط للديمقراطية، فهو كذلك يعكس مفارقة غريبة، ما بين
حزمها مع ترامب رغم سلمتيه، واستهدافها للمحتوى العربي مثلاً وخضوعها لإملاءات
الاحتلال الصهيوني وأنظمة قمعية، وتهاونها مع ما يمس المعتقدات الدينية والثوابت
الاجتماعية للمسلمين، رغم ما فيه من ترويج للكراهية والعنصرية، ودفع الأخرين الى
انتهاج العنف للرد على الاساءات المتلاحقة بحق دينهم ومقدساتهم.
فإما أن يتقبل هؤلاء حرية التعبير على إطلاقها
وأن تكون متاحة للجميع حقاً، أو أن يقروا بوجود حدود لهذه الحرية، وضرورة وضع قيود
قانونية لجعلها منضبطة ومتوازنة، وأن يتوقفوا عن سياسة الكيل بمكيالين، فقد كان
أمراً مستفزاً ومثيراً للسخرية أن من طالما انتقدوا الاخرين لرقابتهم على وسائل التواصل
الاجتماعي هم ذاتهم من استخدموا أكثر الوسائل بدائية للرقابة!