أثناء حضور أحد المؤتمرات، طلبت مني إحدى الصحف المساعدة في ترجمة الحوار الذي أجرته مع السفير الألماني السابق في الجزائر والمغرب مراد هوفمان رحمه الله، والذي أسلم عام 1980، وأصبح واحداً من أهم المفكرين الإسلاميين المعاصرين، ورحل عن عالمنا في بداية هذا العام مخلفاً ورائه العديد من الكتب أبرزها: " الإسلام كبديل، ويوميات ألماني مسلم، ورحلتي إلى مكة" وغيرها!
وكان من بين الأسئلة التي وجهت إليه رأيه في تنظيم المؤتمر، وهنا ذكر هوفمان أمراً مهماً كان لا بد لي من ترجمته حتى لو لم تنشره الصحيفة بعدها، حيث ذكر أن الافتتاحية في اليوم الأول للمؤتمر قد تأخرت، ولم يلتزم بعض المحاضرين بوقتهم مما تسبب في تأخر الجلسات، وفي اليوم التالي تأخر استئناف فعاليات المؤتمر، وهكذا بات الأمر تأخيراً في تأخير!
استصحب هوفمان تجاربه في العمل كدبلوماسي سابق، ومديراً لقسم المعلومات في حلف الناتو، حينما كان يطلب من المترشحين للعمل التحدث في موضوع معين لمدة خمس دقائق فقط، فإذا تحدث أربعاً أو ستاً رسب، وبغض النظر عن دقة تطبيق هذه القاعدة بحذافيرها، إلا أنها تدل على أهمية إدارة الوقت واستثماره بالقدر المتاح.
في هذا السياق، طلب أحد المدراء من عشرات القيادات في المنظمة التحدث لمدة 3 دقائق فقط عن تجربة العمل، في ظل جائحة كورونا، باستعراض أهم ٣ ملفات تعامل معها القيادي، وما هي أهم الدروس المستفادة من فترة العمل في ظل الأزمة؟ والأفكار والابتكارات التي ساعدت في التأقلم مع الصعوبات وزيادة الإنتاجية؟ وكما هو واضح فإن هذه المحاور ستتطلب مقاومة ذاتية من المتحدث بأن يختصر قدر المستطاع، وأن يوقف رغبته الجامحة بأن يتحدث بالتفصيل.
ولذا فإن إدارة الوقت من ضمن ما يحتاج المرء للتدرب عليه، ومن أكثر ما يدرب المرء على هذه المهارة المقابلات الإعلامية، وقد بات من المفضل في التقارير الإعلامية، كما أخبرنا بعض الزملاء، ألا تتجاوز مدتها دقيقتين ونصف!
وإذا كانت إدارة الوقت مهمة في الماضي، فهي الآن قد باتت أكثر أهمية، مع تعقد الحياة المعاصرة، وكثرة انشغال الناس، مما يدفعهم الى التركيز على زبدة الكلام، والبحث عن "ساندويتشات" المعلومات السريعة، وقد بات أمراً مألوفاً وشائعاً، في ظل التدفق الهائل للبيانات والمعلومات، انه إذا عرض مقطع عن خبر معين، فإن كثيرين منا يبدؤونه ولا يكملونه! ولذا تهتم الإحصائيات المتعلقة بدراسة سلوك المتصفح بمعدلات زيارة الصفحات على الإنترنت، والمدة التي يقضيها.
إدارة الوقت باتت تحدياً كبيراً، يفرض على المحاضرين الاختصار، والوعي باختلاف نوعيات المتلقين، ففي المحاضرات الموجهة للطلبة والمتدربين هناك فسحة من الوقت، خلافاً للخطاب الموجه لغيرهم، وهو تحدٍ يواجهه الكثيرون ومنهم كاتب هذه السطور!