من الظواهر المألوفة في البشر-إذا حلّت بهم النوازل والأزمات- يلجئون ويتضرعون إلى الله لكشفها وترتقي حالتهم الإيمانية، فإذا انفرجت الأزمة فمنهم من يثبت ومنهم من ينقلب على عقبيه وكأن شيئا لم يكن، قال تعالى "فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ"!
بل إنه سبحانه قد ذم أولئك الذين لا تحرك الازمات شيئاً في قلوبهم "فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ"!
ولذا كان امراً طبيعياً، في ظل جائحة كورونا العالمية، أن ترى البشر، على اختلاف اعراقهم وأديانهم، يتذكرون القدرة الإلهية، يقبلون على الصلاة وتلهج ألسنتهم بالدعاء، أملاً في الخلاص والفرج، وقد شهدنا كيف سُمح برفع الاذان جهراً في العديد من البلدان الأوروبية كإيطاليا وإسبانيا وألمانيا وغيرها!
فسر الكثيرون في انحاء عديدة من العالم، ظهور وباء كورونا وانتشاره السريع عالمياً، على أنه عقاب إلهي للصين على اضطهادها للمسلمين الايغور، أو للبشرية جمعاء بسبب الذنوب والمعاصي والمظالم التي كثُرت واستفحلت!
في استطلاع قريب عن وباء كورونا، اجراه مركز عالم الآراء في الأردن، كان هناك نقاش بين أعضاء الفريق العلمي، حول منطقية وضع "العقاب الإلهي" ضمن أسباب ظهور كورونا، واستقر الامر على السؤال عنه كسبب مستقل، بغض النظر عن أية تفسيرات علمية أخرى!
وقد أظهرت النتائج ان ما يقرب من ثلثي المستجيبين 63% يرون أن فيروس كورونا عقاب إلهي، مقابل 37% لا يعتقدون ذلك! وفي الأسباب المادية المباشرة كانت وجهة نظر أكثر من نصف الأردنيين أن سبب ظهور فيروس كورونا حرب بيولوجية بين قوى كبرى وعالمية، بينما رأى الثلث أن كورونا فيروس مثل بقية الفيروسات التي تظهر في مواسم معينة.
وأن كنت لا أميل الى المبالغة في التفسيرات الدينية للوقائع والاحداث، إلا أن علينا أن نغتنم هذه الجائحة، ونستثمرها لتحفيز أنفسنا والآخرين على العودة والقرب الى الله عزوجل وألا تأخذنا الرهبة من أولئك الذين تنفر نفوسهم من ربط الدين بالحياة، فنخشى القول بتفسير أو توجيه ديني للأحداث، مؤكدين في ذات الوقت أن الرجوع الى الله لا يعني التواكل، وإهمال الأخذ بالأسباب كالنظافة والعزل الذاتي مع استمرار البحث عن لقاح وعلاج لهذا الوباء لإنقاذ البشرية جمعاء.