بقلم: د. عزت جرادات
ثمة مشهد إحصائي يقدمه لنا التقرير الإحصائي الأردني (2016) يتضمن مؤشرات اجتماعية واقتصادية وتربوية... الخ ... في مجتمع أردني يتسم بالوعي الاجتماعي والسكاني والرقمي والقرائي... إذا ما كانت هناك علاقة بين هذه السمات وتلك الإحصائيات: فمعدل النمو السكاني (2.16%) جعل الأردن الحادي عشر (11) عربياً، والواحد والأربعين (41) عالمياً... ويرد ذلك إلى الوعي الاجتماعي، فأصبح معدل العمر المتوقع عند الولادة (69.9 )سنة، وهو الأول عربياً والسابع والعشرين (27) عالمياً، أما نسبة الالتحاق بالتعليم العام فتتجاوز أل (95%)، فالنسبة العامة للأمية تبلغ (6.7%)، ومجموع الطلبة يصل إلى (1899280) متعلم، يقوم بتعليمهم (121018) معلماً ومعلمة في (6961) مدرسة، إضافة إلى (313500) متعلم في (30) جامعة، ويمتلك (6) ملايين من السكان خطوطاً خلوية (11 عربياً) و(82) عالمياً، أما مستخدمو الانترنت فيصل عددهم إلى (106) مليون (التاسع عربياً) و(78 عالمياً)... وهذا مشهد وردي المظهر للمجتمع الأردني، ومن البدهي أن يكون لذلك مردود اجتماعي في السلوك والتعامل.
وثمة مشهد آخر يتناقض مع المشهد الأول، حيث السلوك العدواني الذي يفتقر إلى المنطق وإعمال العقل والحوار في البيئة المدرسية من جانب الطلبة والمعلمين وأولياء الأمور، وهم المنظومة البشرية المعنية بالعملية التربوية بشكل مباشر: فاعتداء أولياء الأمور، الذين يمثلون المجتمع المحلي للمدرسة، على المعلمين، بسلوك غريب على المجتمع الأردني، ولا يتماشى مع تلك المؤشرات التي يتسم بها المجتمع الأردني في المشهد الإحصائي... وعندما كانت نسبة الأمية (65%) في الخمسينيات كانت العبارة المألوفة لدى الآباء، والتي يوجهونها للمعلم (لك الحلم ولنا العظم)، حيث كان الفهم السائد آنذاك أن الضرب أو العقاب البدني من أساليب التعليم الناجح، فهل كان ذلك المجتمع بتلك النسبة العالية من الأمية أكثر وعياً من المجتمع الحالي!.
واعتداء الطالب على معلمه طعناً، أو حشداً لولي أمره أو ذويه، والاستجابة لذلك الحشد (أو الفزعة) تعبّر عن الهوة ما بين مستوى التعلم ومستوى الوعي الاجتماعي، وغياب لغة الحوار وإعمال العقل، وتدني المستوى الثقافي للأسرة. فلم يشهد تاريخنا التربوي حالات اعتداءات طلابية صارخة على المعلم، مهما كان السلوك الخاطئ للمعلم في الموقف المدرسي أو التعلمي– التعليمي.
وأما اعتداء المعلم على الطالب أو بعبارة أخرى استخدامه للضرب أو العقاب البدني أو المعنوي أو الاستفزازي لأبسط الأسباب، فإن المتوقع أن يكون مثل هذا السلوك قد اختفى من البيئة المدرسية أو المواقف التعلمية- التعليمية فإعداد المعلم تربوياً ومسلكياً، وتدريبية وتهيئته لأدواره المتغيرة: مرشداً، وموجهاً، ومحفزاً... الخ وقائداً للعملية التربوية، بحكمة وكفاءة، من شأنه أن يجعل العلاقة ما بين المعلم والمتعلم تتسم بالاحترام والتقدير والتعامل الراقي، وإعمال العقل والحوار البناء والسلوك الاجتماعي الحضاري.
لقد بذلت المؤسسة التربوية جهوداً كبيرة ومتواصلة لإحداث نقلة نوعية وسلوكية في البيئة المدرسية، فمنذ أوائل الستينيات بدأ الاهتمام بالقضاء على (العصا) في المدرسة، فكان أول تعميم رسمي بمنع العقاب البدني (الضرب) والاستفزازي بتوقيع أستاذنا المربي الفاضل المرحوم بشير الصباغ وزير التربية والتعليم آنذاك، واستكملت الوزارة ذلك ببرامج التدريب والتأهيل إضافة لإيفاد المعلمين للدراسات التربوية العليا... ومن البدهي أن نتوقع نجاح تلك الجهود ولكنه، ومع كل أسف، نقرأ ونسمع عن تلك الممارسات السلبية والسلوك غير الاجتماعي والوعي (اللاثقافي) الذي يؤثر على البيئة المدرسية أو المناخ التربوي المثالي في مدارسنا.
وأخيراً، فإن الأمل في تحقيق البيئة المدرسية الآمنة بدعوة المجتمع، المدرسي والمحلي والأردني، للتجاوب مع (ميثاق مدونات السلوك المدني والقانوني والتربوي) الذي جاء نتيجة للحوار البناء الذي قامت به وزارة التربية والتعليم ونقابة المعلمين مع التقدير، ويهدف إلى بناء علاقات تفاعلية وايجابية ما بين المجتمع المدرسي والمجتمعات المحلية، ومن أجل تنشئة جيل يشعر بكرامته في بيئة تربوية مدرسية آمنة، وتجدر الإشادة بالمبادرة الأمنية لاتخاذ إجراءات تمنع إلقاء القبض على المعلم داخل مدرسته أو أمام طلبته في التعامل مع الشكاوي والإدعاءات بحقه، سواء كانت حقيقية أو كيدية.