بقلم: د. عزت جرادات
مازالت معركة الجنوب السوري مشتعلة, ومع نشر هذه المقالة تكون قد تصاعدت حدة أو هدأت قليلاً, إلا أنها تظل بأخطارها المجهولة تشكل موقفا أردنياً بيقظة على مستوى عالٍ من الاهتمام، فثمة حرص على المصلحة الأردنية والأمن الوطني ودور إنساني في الإغاثة والرعاية الصحية للهاربين من جحيم المعارك, وضغوط خارجية ومناشدات المنظمات الدولية, وبخاصة منظمة الأمم المتحدة، لاستقبال هؤلاء المنكوبين داخل الأردن، وفي المقابل فإن رسالة الأردن للعالم واضحة: المصلحة الوطنية والأمن الوطني والمجتمعي أولاً, مع القيام بالدور الإنساني الإغاثي والطبي لهم داخل وطنهم, وهي الأرض السورية العزيزة.
تذكرني هذه الحالة بدراسة استطلاعية معمقة نشرتها مجلة (فورن أفيرز) قبل سنة حول الوقت الذي يحتاجه اللاجئون السوريون ليكونوا قابلين للعودة إلى وطنهم برغبة ذاتية أو ما يسمى عودة طوعية، وقد يكون من المناسب الوقوف عندها, لإعطاء صورة واضحة عن أزمة اللجوء السوري وانعكاس ذلك على أي لجوء جديد, والذي لا يمكن أن يكون مؤقتاً، تنطلق تلك الدراسة من فرضية أن (هؤلاء اللاجئين سيعودون راغبين حال التوصل إلى حل سلمي للمسألة السورية)، وقد أوضح الاستطلاع الذي قام به (مركز كارينجي للشرق الأوسط) صعوبة هذه العودة الطوعية, فاللاجئون السوريون الذين تم استجوابهم أكدوا على ربط هذه العودة بتوفير أو ضمان (السلامة والأمن), وإعادة بناء الثقة المتبادلة بين اللاجئين الذين قد يصنف معظمهم في صف المعارضة من قبل سلطات النظام, مهما كان شكله في الحل السياسي المنتظر.
ويرى اللاجئون في الداخل أن عودة اللاجئين من الخارج سيصاحبها فوضى عارمة تتمثل باضطراب الأواصر الاجتماعية بين مختلف مكونات السكان, اثنياً أو طائفياً أو غير ذلك من المستجدات الاجتماعية.
وثمة عامل آخر, من عوامل إعاقة العودة الطوعية ويتمثل (بالواقع على الأرض) حيث الدمار الكبير, ومتطلبات إثبات الملكية, وملكية أماكن المخيمات الداخلية التي يتعذر إزالتها أو التخلي عنها بغياب (السكن البديل)، وتتسأل الدراسة، هل سيقوم المجتمع الدولي بتمويل تكلفة العودة والإسكان وتمكين العائدين من استئناف حياة طبيعية!، وعلى ضوء هذه الدراسة, ومعطياتها, فثمة تساؤل يبرز للواقع: هل يوجد لجوء مؤقت؟, كما نطالب المنظمات الدولية من الأردن- توفير إمكانات هذا اللجوء! فاللجوء يتحول مع الزمن, إلى أمر واقع وقبول طوعي, وتأقلم أو تكيف مع ظروفه، وثمة تقديرات أن أي لجوء يحتاج إلى مدى يتراوح مابين (15- 17) عاماً، هذا إذا توافر القرار السياسي الوطني للعودة.
إن ردة فعل المجتمع الأردني, سياسياً وشعبياً وقد أعطت صورة مشرقة عن الشعب الأردني في هبة الإغاثة الإنسانية والطبية لم تجد صدى لها لدى مجتمعات الوفرة والثروة.
وهذا هو الموقف الذي يجمع مابين المصلحة الوطنية، والأمن الوطني، والقيام بالدور الإنساني للمجتمع الأردني.