بقلم: د. عزت جرادات
أعتقد أن (مئوية بلفور) تستحق المزيد من الاهتمام، وتوظيف ذلك لتصعيد عربي إعلامي وسياسي على مستوى عالمي لإثارة الاهتمام أيضا بالقضية الفلسطينية، والانتقال بها إلى مرحلة سياسية دولية جديدة. وعلى أهمية (القضية والمئوية)... فقد كان التفاعل معهما... على المستوى العربي ضعيفاً وتقليدياً، وباستثناء الفعاليات في الأردن وفلسطين، مرّت (المئوية) عابرة في معظم الأقطار العربية... ويمكنني القول أن الندوة التي عقدتها (جمعية الشؤون الدولية) بعنوان (مئوية بلفور ومستقبل القضية الفلسطينية) كانت غنية، فكراً ومناقشات وحضوراً، حيث تعمق الأستاذ المؤرخ علي محافظة في سبر غور ذلك (الإعلان) في ظروف كانت تسودها العقلية الاستعمارية- العنصرية، وكان البون شاسعاً، ثقافياً وسياسياً، بين قادة الصهيونية وقادة القضية العربية الفلسطينية، وكانت تجليات معالي الأستاذ عدنان أبو عودة في تحليل سياسي فكري لتطورات ومراحل وتداعيات ذلك الإعلان، تذكيراً بخطورة التعامل مع القضية بالعواطف والمواقف غير الموضوعية والتي أدت إلى حصرها في إطارها الضيق... وفي تشخيصه للمواقف الصهيونية والعربية، فقد ابرز معالي الأستاذ طاهر العدوان ضحالة الرسالة السياسية – الإعلامية من الجانب العربي في مواجهة غير متكافئة مع العدو الصهيوني... واختتم (البانوراما الفلسطينية) معالي الدكتور مروان المعشر بنظرته الإحصائية التحليلية الدقيقة لواقع القضية على الأرض الفلسطينية، والمستقبل الذي يتطلع إليه الشعب العربي الفلسطيني، ممثلاً بطموحات وتطلعات أولئك المرابطين في الأرض المحتلة بتحديات الصلف الصهيوني وقسوة الاحتلال.
كانت هذه الندوة، نموذجاً من الندوات التي عقدت في الأردن وفلسطين... حيث كان هذا الحدث التاريخي شبه غائب في معظم البلدان العربية، كما كان التفاعل معه في الصحافة العربية ضحلاً وهزيلاً.... أما على المستوى العربي والإسلامي، فقد نشرت الصحف أن (منظمة التعاون الإسلامي تستهجن احتفال بريطانيا بمئوية بلفور، وتدعو إلى دعم حل الدولتيْن)... ودعت (جامعة الدول العربية بريطانيا إلى الاعتراف بدولة فلسطين) وتساءل أمينها العام... لقد تحققت دولة إسرائيل، فأين الدولة الفلسطينية؟ ومن جانبه، بعث رئيس البرلمان العربي مذكرة احتجاج إلى رئيس مجلس العموم البريطاني يستنكر فيه إقامة الاحتفال (بمئوية بلفور)، هذا ولم تتعرض معظم الصحافة الغربية، الأوروبية والأمريكية، لهذه المئوية المشؤومة، ولكن الاحتفالات والتظاهرات والاعتصامات والمؤتمرات والعرائض السياسية المنددة بالاحتفال، والمطالبة بحق الشعب العربي الفلسطيني بتقرير مصيره قد امتدت لتشمل معظم العواصم الأوروبية، واختتم بالإشارة إلى تلك المقابلة مع المؤرخ اليهودي- البريطاني في جامعة أكسفورد في إحدى الفضائيات التي تبث من لندن والتي تابعتها وكان أهم ما ذكره، (وليس بالضرورة الاتفاق معه): لقد صدر الإعلان في بيئة سياسية عنوانها (العنصرية والاستعمار) وهما وجهان لعملة واحدة ولهذا ترفض بريطانيا الاعتذار، أي إدانة تلك السياسة، منح الإعلان وطناً قومياً لليهود، مع حماية حقوق الأقليات الأخرى... والأقلية الوحيدة التي يشير إليها هم العرب.... وكانوا يشكلون (90%) من السكان ولهذا رفض الانتداب إيجاد مؤسسة شرعية منتخبة في فلسطين، وصفت (تريزا ماي) إسرائيل بأنها دولة الحرية والتسامح، وحتما فأن (ماي) لا تعيش على الأرض، فهي لا تدرك قساوة الاحتلال لمدة خمسين عاماً، وأخيراً، لم يعد حل الدولتيْن قابلاً للحياة بسبب الانتشار (للمستوطنين والمستوطنات... والبديل قد يكون (الدولة المدنية الديموقراطية الواحدة).