د. فايز الربيع
مصطلح الاصلاح من المصطلحات التي يتم تداولها، ويسعى اليها المفكرون والنخب السياسية، ويعترف معظم المفكرين أن المسلمين لم يستطيعوا تجاوز عوائق الاصلاح وموانعه ولعل من اسباب ذلك أن الاصلاح لم يكن يحمل معنى واحداً بالنسبة للحاكمين والمحكومين أو من يتكلم بإسمهم ولعل من يعمل في كواليس السياسة العربية قد حاولوا ارباك من يعمل في هذا المجال وتعتيم الرؤيا التي تنشد الاصلاح وبذلك يكون الفهم المنهجي للاصلاح هو الغائب على الساحة التي ينشد روادها الاصلاح.
لقد طرح هذا المفهوم عبر التاريخ وكان الاصلاح أو الصلاح واحداً من منهج المعتزلة، كما نصت مقاصد الشريعة على خمسة عناوين رئيسية هي حفظ النفس والعقل والمال والدين كعناوين رئيسية ايضاً للاصلاح نحن متيقنون أن ميزان العدل يوم القيامة سيحدد من هو المصلح ومن هو المفسد، ولكننا نرمي الى بحث سبل الاصلاح والصلاح في حياتنا الدنيوية مناط الاعمار والتكليف بين بني البشر.
لقد وردت كلمة (صلح) ومشتقاتها في القرآن الكريم أكثر من مائة وثمانين مرة فإذا نسبنا الصلاح للانسان كانت له معانٍ، وإذا نسبناها الى الاشياء ترتب عليها نتائج وكذلك إذا نسبناه الى العمل.
إن الاصلاح هو جعل الشيء صالحاً – أي ذا صلاح – ويقابل الاصلاح الفساد والإفساد، والفساد خروج الشيء عن الاعتدال، وتبلغ مفردات كلمة (فسد) حوالي خمسين مفردة في القرآن الكريم في الماضي والحاضر وإسم الفاعل والمصدر، ولعل واحداً من تعريفات الاصلاح هو ( الإنخراط في عملية متواصلة من إقامة نظام إجتماعي عادل ثم حمايته وتطويره) او (هو الثبات على حالة الاعتدال والاستقامة) او المواءمة مع الكون والانسان.
إن عناصر الاصلاح يمكن أن تكون ثلاثة عناصر الأولى معرفة الانسان بالوجهة والثاني إضافة الوجهة الى العمل المخصوص، والثالث النية.
إن استقراء كتاب الله في مفهوم الاصلاح يقودنا الى إتجاهين رئيسيين في الاسباب المكونة للاصلاح الأول في التدافع المحقق للاصلاح مقابل الجمود والتناقض المفضيين الى الفساد والثاني التوسط المنتج للاصلاح – مقابل الاسراف المنتج للفساد تقول بعض الايات (( ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الارض )) ((ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا))
والمدافعة هنا لها ثلاثة اوجه – ما ينتظر المفسدين يوم القيامة – والثاني مقام المواجهة العسكرية والثالثة مقام المنازلة السلمية.
فالتدافع هنا أداة من أدوات التوازن في الوجود الدنيوي – وهو لا يعني دائماً التصادم – وإنما يعني التنافس الذي يهدف الى التعايش الذي يروم صاحبه مساكنة المخالف ولو كان معادياً ، والقرآن يدعونا الى الدفع بالخصلة الحسنة (( إدفع بالتي هي أحسن السيئة )) – فالتدافع هنا منسق مع التعارف ومن هنا نفهم اختلاف الناس في قوله تعالى (( ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين )) فالخلق معنى على الزوجية.
إذن التدافع له مظهران السلمي- الذي نعيشه من خلال ذواتنا والذي تطرحه التنشئة الاجتماعية – فالذي ينشأ وهو متعود في الخضوع للظلم والانحراف غير الذي ينشأ في ظل العدل والاستقامة فنحن هنا امام تدافع مجتمعي يديره أهل العدل مع من يمارسون الظلم وما ينتج عنه من اوضاع وافكار ، والقرآن يوضح هذه الحالة بوضوح (( ضرب الله مثلاً عبداً مملوكاً لا يقدر على شيء ومن رزقناه رزقاً حسناً فهو ينفق منه سراً وجهراً هل يستوون الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون )) (( وضرب الله مثلاً رجلين أحدهما ابكم لايقدر على شيء وهو كلُ على مولاه اينما يوجهه لا يأت بخير هل يستوي هو ومن يأمر بالعدل على صراط مستقيم ))
وللحديث بقيه......
عن الرأي