د. فايز الربيع
عبر التاريخ هناك سياسات تتخذ من بعض الدول في إطار ما يسمى بالتغيير الديموغرافي، اما باستيعاب جنسيات جديدة تعطى جنسية الدولة المستقبلة، لزيادة عدد سكانها لايجاد التوازن بين الجنسيات لمصلحة الدولة المستضيفة أو تغيير ديموغرافي يسعى إلى إنقاص عدد السكان من جنسية معينة وأصل معين لصالح دولة ترى ان عدد السكان يشكل خطرا ً عليها في حالة استمرار تصاعده، كما حدث ويحدث في فلسطين.
إن السياسة العامة الإسرائيلية تهدف إلى انقاص عدد السكان العرب مقابل اليهود ، في فلسطين عام (48) أو في الضفة الغربية، و استعملت لهذه الغاية اساليب مختلفة من التضييق في العيش أو أسلوب المعاملة ، حتى يضطر السكان إلى ترك أراضيهم مدنا ً و قرى و البحث عن مناطق جديدة، وهذا التغيير قد يحدث احيانا نتيجة للهجرة القسرية التي اتبعتها اسرائيل كما حدث منه نتائج حرب ( 48 ) و من ثم ( 67 ) و ما تلا ذلك من هجرة قسرية غيرت الديموغرافيا بما يسمى بالمستوطنات والتي اسميها ( المغتصبات ) حتى لا ينطلي علينا التفريق بين مستوطنات شرعية و أخرى غير شرعية لإن كلمة مغتصبات غير شرعية.
ما يجري في العراق و سوريا، هو تغيير ديموغرافي على اساس طائفي لإن كل السكان عرب، و من أصول عربية ، متداخلين نسبا ً ومعيشة عبر قروب من التاريخ.
ما جرى في سوريا في أحياء من ضواحي دمشق، وما يحدث في حماة وحلب و بقية المناطق التي يسيطر عليها النظام أو القوات المتعاونة معه، سواء من حزب الله ، او مليشيات طائفية، قادمة من العراق و موجهه من ايران، هو تهجير طائفي يحل محله، طوائف جديدة سواء من سوريا أو من خارجها ذات لون واحد، علوية أو إثنا عشرية حسب المذهب ، نعم هم عرب ، ولكنهم يحدوهم هدف واحد هو اخراج أهل السنة و تصفية مناطقهم لصالح الطائفة الشيعية، حتى تتكون الدولة مستقبلا في منأى عن أي خطر يمكن ان يتهددها من هذه الطائفة التي هي اشد عداء بالنسبة لهم من أي جهه أخرى.
ما يحدث في العراق ايضا ً نفس السياسة، التهجير الطائفي في منطقة الأنبار وعدم قبولهم حتى في بغداد و اضطرار الغالبية العظمى منهم إلى الهجرة خارج العراق و إحلال الطوائف الشيعية محلّهم، ما يحدث في الموصل الآن هو على نفس السياسة كل حي يتم اخلاؤه من أي قوات موجودة على الأرض اما يتم تدميره أو أخراج أهله منه، و إحلال ميليشيات الحشد الشعبي مكانه.
كل ذلك سيؤدي إلى اكتمال الدائرة – ما بين ايران و العراق و سوريا وجنوب لبنان احياء ً لدولة طائفية، مرت عبر التاريخ باسم الخلافة الفاطمية، والآن سيتم تهيئتها في إطار دولة طائفية جديدة مقرها الجمهورية الإسلامية و امتدادها في العراق و سوريا و جنوب لبنان ، وإكمالا ً في المستقبل في مناطق نفوذها في الجزيرة و اليمن، اما برا ً أو بحرا ً بإنشاء القواعد البحرية.
لقد فقد العالم الإسلامي في المنطقة العربية وحدة أهدافه، و تماسك دوله، كل ذلك سيمكن اكثر للعدو الصهيوني الذي هو اكثر فرحا ً مما يجري في المنطقة، و التي تحتاج إلى نهضة جديدة ننسى فيها خلافاتنا و قطريتنا وتناحر أحزابنا للتفكير في مشروع نهضوي أول مراحله الإبتعاد عن سياسة الإقصاء و التهميش لإي قوة منظمة او غير منظمة لإن الخطر يهددنا جميعا ً ، هل يمكن ان نستفيد من قراءة التاريخ البعيد و القريب ، وأن نشخص الواقع و مكامن العداء ، المتربص بنا شعوبا ً و دولا ً من كل الجهات ، إن مشروع احياء قطريا ًو وطنيا ً ثم يمتد ليصبح عربيا ًإسلاميا ً تنظر فيه القيادات إلى مصلحتها و مصلحة شعوبها أصبح الآن مطلبا ً للشعوب وملحا ً اكثر من أي وقت مضى.
عن الرأي