لا
خلاف على أن قرار شركة المثلجات العالمية الأمريكية "بن آند جيريز" منع
بيع منتجاتها في المستعمرات/ "المستوطنات" الإسرائيلية المقامة على
الأراضي الفلسطينية، وكعشرات القرارات المشابهة التي صدرت خلال السنوات الماضية عن
شركات أخرى، لم يكن وليد حدث معين، وإنما نتاج عملية إقناع يمارسها مؤيدون للقضية
الفلسطينية على مدى السنوات الطويلة الماضية. ومعروف أن الشركة الأمريكية (مؤسساها اليهوديان
بن كوهين وجيري غرينفيلد)، قالت في بيانها أن قرار "إنهاء بيع المثلجات في
المستوطنات الإسرائيلية قد تم اتخاذه كون البيع يتعارض مع قيمها"، وهو الأمر
الذي أغضب الحكومة في تل أبيب التي اعتبرته معاديا لإسرائيل. من هنا تنبع أهمية
القرار فهو صادر عن شركة أمريكية، وليس أوروبية أو آسيوية حيث حالات التعاطف مع
الفلسطينيين أوسع، وهو ما سبب حالة من القلق في إسرائيل، وهي الحالة التي تتفاقم
بشكل كبير منذ سنوات مع فشل إسرائيل في وقف التضامن العالمي بما فيه يهود الغرب مع
الفلسطينيين.
في
السنوات الأخيرة، شهدنا الكثير من قرارات المقاطعة وسحب الاستثمارات من جانب عديد المؤسسات
والشركات والصناديق الاستثمارية حول العالم. فالتقارير التي تصدرها المؤسسات
الحقوقية، وليس آخرها "هيومن رايتس ووتش" التي اعتبرت إسرائيل
"دولة فصل عنصري" (أبارتايد) ساهمت في تعزيز قوة حركة المقاطعة وسحب
الاستثمارات وفرض العقوبات ("بي دي إس"). بل إن المقاطعة، أعادت مسألة احتلال
أراض فلسطينية إلى الواجهة. وفي هذا السياق، يقول الكاتب الإسرائيلي (عكيفا
الدار): "أصحاب شركة "بن آند جيريز" نجحوا في إعادة الاحتلال إلى
جدول الأعمال". من جانبه، يرى (نداف تمير) المدير العام لمنظمة "جي
ستريت" الأمريكية في إسرائيل، إن "القرار تعبير عن رفض الاحتلال".
وأضاف في إشارة إلى صاحبي الشركة: "هذان الرجلان مثال على الأغلبية الساحقة
من يهود الولايات المتحدة، الذين يبتعدون عن إسرائيل ليس بسبب الـ بي دي إس، بل
لأن إسرائيل تبتعد عن قيمهم".
هذه
القرارات من داخل الولايات المتحدة تخيف إسرائيل أثر من صدورها من أي دولة
أوروبية، وهو ما ظهر برسائل السفير الإسرائيلي في واشنطن (جلعاد إردان) التي وجهها
إلى حكام 35 ولاية أمريكية كانت أصدرت تشريعات ضد حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات
"بي دي إس"، طالبهم فيها بتفعيل تشريعاتهم ضد شركة "بن آند
جيريز" بسبب قرارها، متوعدا بالملاحقة القضائية باعتبار هكذا قرارات مبنية
على "ممارسات معادية للسامية والتقدم في نزع الشرعية عن الدولة اليهودية ونزع
الطابع الإنساني عن (الشعب) اليهودي"!!. كذلك، توعد رئيس الوزراء الإسرائيلي
(نفتالي بينيت) في لقاء مع سفراء أجانب معتمدين لدى الولايات المتحدة والأمم
المتحدة، بملاحقة الشركات التي تقاطع "المستوطنات". ومع تصاعد التهديدات
الإسرائيلية، تتصاعد حركة المقاطعة والمستقبل للحق طال الزمان أم قصر.