اعتدنا دوماً على وصف الكيان
الصهيوني بالسارق، الذي لم يوفر شيئاً من سرقاته، حين نهب الأرض والمياه والثروات
الطبيعية، وكبد العرب، وعلى رأسهم الفلسطينيون، خسائر بشرية ومادية فادحة منذ ما
يزيد على سبعين عاماً وحتى الآن.
الى جانب ذلك، استنزف الكيان الصهيوني، بحروبه
الإجرامية وعدوانه المستمر وما تسبب فيه من دمار، قدرة البلدان العربية
والإسلامية، وجهاتها الخيرية الرسمية والشعبية، التي تجد نفسها، بعد كل عدوان،
مطالبة من الهيئات والمنظمات الدولية، بدفع الأموال لإعادة الإعمار، بدلاً من
مطالبة الجاني بالتعويض عما اقترفته يداه، وهكذا تبقى الجهات الخيرية في دوامة
استهلاك مواردها، التي وإن جاء بعضها من التبرعات في بلدان مقتدرة مادياً، إلا أن
بعضها الأخر كان تبرعاً من فقراء اقتطعوها من أقواتهم لنصرة ودعم إخوتهم.
ومع فرحنا بانتصار المقاومة المعنوي وصمودها 11
يوماً، إلا أن ذلك لا ينبغي أن يلفت انتباهنا عن الواقع الأليم لقطاع غزة المنكوب،
والتكلفة الباهظة التي تكبدها بسبب العدوان الأخيرة، والتي قدرها البعض بنحو 8
مليارات دولار، بتنا نحن كمسلمين مطالبين بدفعها عوضاً أن يتكبدها الجاني.
خلال العدوان على غزة أعوام (2008، 2012، 2014)، قدمت
الجهات الخيرية والمتبرعون مليارات الدولارات اثناء الحرب وما بعدها لإعادة أعمار
غزة، ومع شعورنا بالتقصير الفادح إذا لم نقم في ذلك، وبقدر فرحنا بهذه الإنجازات بملايين
التبرعات، إلا أننا قد ننسى أصل المشكلة، وهي ضرورة إيقاف المعتدي عن عدوانه،
والسعي الى تجريمه وتحميله مسؤولية جرائمه، وليس الاقتصار فقط على معالجة الآثار
الناجمة عن العدوان، ونحن بذلك ودون وعي نشجع المجرم على ارتكاب المزيد من
الجرائم، دون خوف من أن تطاله أي عقوبة، حتى وإن تكبد هو خسائر مادية مليارية في القطاع الخاص أو
المجهود الحربي كما حدث في حرب غزة الأخيرة، فلو كنت صاحب قرار في هذه التبرعات
لخصصت جزءاً منها لمعركة القانون والسياسة و الضغط واللوبي والاعلام بكافة
مستوياته؛ لتكون رادعة للمستقبل، وحتى نخفف من استنزاف جيوب المتبرعين، وتشغيل بعض
المنظمات الأممية حسنة النية وسيئتها.
سنخطئ في فهم العون، وستبدو نظرتنا الى التبرعات غاية في السطحية،
اذا اقتصرت على إرسالها الى الإغاثة والصحة والعلاج، واستقبال الجرحى في بلادنا،
دون تحركات وخطوات عملية ملموسة رادعة تمنع من تكرار هذا الاعتداء، فما معنى أن
تقوم دولة عربية، تفرض حصاراً على غزة، بإرسال الأطباء وملايين الدولارات من
التبرعات، بينما بإمكانها – بدعم من دول أخرى- أن تقدم أكبر العون بفك الحصار وفتح
المعابر لحركة الأفراد والبضائع، والإفراج عن هؤلاء المعتقلين في أكبر سجن عرفه
العالم، فهذا أفضل بما لا يحصى من المرات، في مساعدة القطاع وأهله، من المساعدات،
التي قد تفلح في تسكين الألم على المدى القصير فحسب.