فرض وباء كورونا وانتشاره السريع في عالمنا المتدفق بالمعلومات والثائر بالاتصالات، أن يتولد عنه كم هائل من البيانات خلال فترة قصيرة جداً أكثر من أي حدث أخر عرفته البشرية، مما قاد بالضرورة إلى أن تجمع هذه البيانات بين الغث والسمين، في الوقت الذي يمكن للبيانات الموثوق بها أن تكون وسيلة لإنقاذ حياة الملايين، إذا ما كانت نتاجاً للخبرة والشفافية والتعاون!
منذ ظهور الوباء في الصين، وانتشاره لاحقاً على مستوى العالم، ظهر عدد كبير من المواقع، على شبكة الإنترنت، لنشر أحدث البيانات المتوافرة عن الوباء، سواءً في صورة نظم إحصائية ترصد عدد الإصابات والوفيات، أو خرائط تعرض انتشار الوباء!
ووفقاً لدراسة أجرتها شركة Nokia Deepfield ، خلال شهر أبريل الماضي، فإن معدل نقل البيانات عبر الإنترنت عالمياً قد نما من 20-40%، وهي نسبة نمو كان من المعتاد أن تأتي على امتداد عام كامل، لكنها حدثت خلال أسابيع معدودة، كما شهدت بعض التطبيقات زيادة كبيرة في الاستخدام، مثل تطبيق المراسلات WhatsApp، الذي زادت نسبة استخدامه ما بين 117 -217% برغم القيود التي وضعت مؤخرا في عدد الرسائل المحولة!
تشير بيانات شركة Primer.ai، التي أنشأت منصة لعرض جميع أبحاث فيروس كورونا المستجد، أن حجم الأبحاث العلمية المنشورة عن الوباء يتضاعف مرة كل أسبوعين، بدءاً من الورقة البحثية الأولى التي تم تسجيلها في الصين في 21 يناير، وصولاً الى 20 مايو حيث تجاوز العدد ستة عشر الف(16000) ورقة بحثية!
وقد كان لهذا الحجم الهائل من البيانات أن يطرح وبقوة تساؤلات كثيرة لدى الجمهور، حول صحة البيانات ودقتها وإمكانية التعويل عليها وفق مقال مهم منشور في مجلة Harvard Business Review بعنوان" أي بيانات كوفيد 19 يمكن الوثوق بها؟"
ومن ضمن ما يقدح في موثوقية البيانات أن تكون معتمدة على عينات موسعة جداً، أو محددة جداً، لا تظهر الاختلافات المحلية والإقليمية المهمة، ومن ثم استخدامها لإجراء مقارنات بين دول مختلفة من شتى النواحي الاجتماعية والديمغرافية والاقتصادية!
وفي أحيان أخرى، قد يتضمن جمع البيانات ونشرها خرقاً للخصوصية الفردية والجماعية، بما قد يعود بعواقب وخيمة على بعض المجتمعات، ومن الممكن كذلك أن يتجاهل الحقائق الاجتماعية والاقتصادية لحياة الناس التي تجعل من الصعب عليهم البقاء في المنزل!
وحتى البيانات المكانية، التي تتعلق بحركة الناس وتنقلهم في ظل إجراءات التباعد الاجتماعي، إذا ما تم تقديمها أو تفسيرها دون فهم مناسب للسياق، من الممكن أن تؤدي ودون قصد إلى فرض أو تخفيف القيود على حركة الناس وأعمالهم، استناداً إلى معلومات غير دقيقة!
كما أن النماذج الحاسوبية المتعددة الخاصة بفيروس كورونا تتصف بقدر من عدم اليقين، والذي لا يمكن تحديده بسهولة، وقد ينتج عن محدودية القدرة على تقدير مدى دقة البيانات التي يتم إدخالها في هذه النماذج، مثل عدد الإصابات، أو لكون هذه النماذج تبسيطاً مبالغاً فيه لأوضاع العالم الحقيقي، وتقدم افتراضات قوية تبدو متناقضة مع ما نتوقعه في الواقع، نتيجة اختلاف النماذج في الافتراضات التي تضعها حول الآلية الكامنة وراء انتقال المرض!
إن مواجهة وباء كورونا وتداعياته، تجعل الاحتكام الى بيانات موثوقة حوله أمراً لا يحتمل النقاش، ويمكن التحقق من موثوقية البيانات بالاحتكام الى عدة معايير، الشفافية لدى مقدمي البيانات في الكشف عن العينات والمنهجية والتحليل المعتمد، والبعد عن التقديرات المتهورة او المفرطة في الثقة، أو تلك التي تتضمن تجاهلاً مقصوداً للخصوصية أو الحقوق المدنية أو الحقائق العلمية الراسخة، والاحتكام إلى الخبراء المنفتحين على المجتمعات وشركاء البحث العلمي من خلال مشاركة البيانات بطرق آمنة ومسؤولة!