اتخذت
الحكومة التركية خطوات تجاه مصر في محاولة لخلق مناخ مشجع للحوار بين البلدين وحل
المشاكل العالقة بينهما منذ سنوات على رأسها تقييد الرئيس (رجب طيب أردوغان) نشاط
جماعة "الإخوان المسلمين" وحركة "حماس" في تركيا، وفرض
الإقامة الجبرية على عدد من قيادات "الإخوان" والطلب منهم عدم انتقاد
النظام المصري، مع فرض قيود على تحويلاتهم المالية، ومراقبة ما تبثه قنوات
"الإخوان" من تركيا، وهو ما رحبت به مصر على لسان وزير إعلامها (أسامة
هيكل) الذي توقع أن "يلتزم الإعلام المصري بالتهدئة حيال تركيا حتى يسمح بخلق
مناخ ملائم للتفاوض".
ليس
من السهل عودة العلاقات بين البلدين وكأن شيئا لم يكن في ظل انقطاع العلاقات
لسنوات طويلة، فالقضايا التي تحتل الحيز الأكبر من الخلاف المصري/ التركي تتجاوز
ما سبق: أهمها أن تركيا كانت في مقدمة الدول الرافضة لعزل الرئيس (محمد مرسي) على
يد الجيش، إذ يوها وصف (أردوغان)، الذي كان رئيسا للوزراء آنذاك، وصف عزل (مرسي)
بأنه "انقلاب غير مقبول". لذا فعودة العلاقات مرهونة بوجود تغير حقيقي
في السياسة والمنهج والأهداف التركية بعد أن تحولت تركيا إلى قبلة للمعارضين
المصريين منذ عام 2013.
ثم
إن التنقيب على الغاز في شرقي المتوسط الذي يعد الملف الأكثر خطورة بالنسبة للجانب
التركي كونه يتعلق بثروات هائلة من الغاز الطبيعي والهيدروكربونات، وتتداخل فيه
مصالح طرفين على خلاف تاريخي مع تركيا هما اليونان وقبرص. وجدير بالذكر أن معاهدة
الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982 تنص على أن "تمتد المياه الإقليمية
للدول إلى مسافة 12 ميل بحري من الساحل (بما في ذلك سواحل الجزر)، في حين تمتد
المنطقة الاقتصادية الخالصة إلى مسافة مئتي ميل بحري، يحق فيها للدول القيام
بأنشطة التنقيب والاستكشاف". وكانت تركيا من بين الدول الرافضة لتوقيع الاتفاق،
إذ يقع عدد من الجزر اليونانية قبالة مسافات كبيرة من السواحل التركية، وعلى مسافة
أقل من الحدود البحرية الإقليمية والاقتصادية، وهو ما تراه تركيا إجحافا في حقها
من ثروات هذه المنطقة.
معلوم
أن منطقة شرق المتوسط تشهد أزمة مزمنة في ترسيم حدودها البحرية والاقتصادية، كونها
منطقة حوض مائي ضيق تتقاطع فيه حدود الدول البحرية، ما يجعلها في حاجة إلى
اتفاقيات خاصة لترسيم الحدود. وفي ظل الاتفاقات الثنائية المصرية مع قبرص أولا
واليونان ثانيا، ومن ثم تدشين مصر في 2019 منتدى غاز شرق المتوسط، الذي يضم 6 دول
متوسطية بهدف خلق سوق إقليمي للغاز ودعم التعاون الاقتصادي وجهود ترسيم الحدود بين
الدول الأعضاء، وجدت تركيا نفسها في عزلة حاولت كسرها من خلال التدخل في ليبيا.
وتزايدت العزلة بسبب التداعيات السياسية والاقتصادية الناجمة عن توتر العلاقات
الأمريكية/ التركية وكذلك الأوروبية/ التركية (لأسباب يضيق المجال الآن عن ذكرها).
هذه
العوامل، متواكبة مع ضغوط الصراع بين قوى الداخل السياسي التركي، قادت الرئيس
(أردوغان) إلى انتهاج سياسة إعادة تموضع يأمل من خلالها إلى تهدئة العواصف
المتراكمة الناجمة عن سياساته السابقة.