الولايات
المتحدة الأمريكية وبريطانيا، دولتان كبيرتان ترتبطان ببعضهما بالتاريخ المشترك
والدين واللغة وحتى روابط القرابة التي تعود إلى اكتشاف الولايات المتحدة منذ مئات
السنين. والعلاقات الأمريكية البريطانية أو كما تسمى (الأنجلوأمريكية) تعززت منذ
الحرب العالمية الثانية وخلال الحرب الباردة، ووصفها المؤرخ الإنجليزي (بول
جونسون) هذه العلاقة بأنها "حجر الزاوية للنظام العالمي الحديث والديمقراطي".
ومع
تولي الرئيس الأمريكي (دونالد ترامب) في 2016، انتشرت "الشعبوية" في
القارة الأوروبية في ظل خطاب عنصري. ومنذ الاستفتاء على خروج بريطانيا من الاتحاد
الأوروبي "بريكست" في ذات العام 2016، حتى انتخاب (بوريس جونسون) رئيسا
للوزراء في بريطانيا في 24 تموز/ يوليو 2019، باتت "الشعبوية" متجذرة في
سياسات المملكة المتحدة إحدى أعرق الديموقراطيات الأوروبية، بحيث وصف (جونسون)
"الاتحاد الأوروبي" في خضم حملة "بريكست"، بأنه: "مشروع
زعيم النازية أدولف هتلر الذي حاول إنشاء دولة أوروبية واحدة"!!! بالمقابل،
خاض (ترامب) حملة لصالح (جونسون) واعدا بوضع بريطانيا في "أول الطابور"
للتوصل إلى اتفاق تجارة بعد أن حذر الرئيس الأمريكي الأسبق (باراك أوباما) من أن
"بريكسيت" سيعيد بريطانيا إلى نهاية الطابور. وكم من مرة انحاز (جونسون)
تماما إلى إدارة (ترامب) بشأن العديد من القضايا، فيما أشاد الأخير بأداء (جونسون)
واصفاً إياه بـ "ترامب بريطانيا".
اليوم
خرجت بريطانيا من "الاتحاد الأوروبي"، وخلال أيام يرحل (ترامب) من البيت
الأبيض ويبقى (جونسون) وحده في مواجهة الرئيس الأمريكي الجديد (جو بايدن) الذي سبق
وأن وصف (جونسون) بأنه "مستنسخ جسدي وعاطفي من دونالد ترامب". ومن
الطبيعي أن (بايدن) والحزب الديموقراطي لا ينسيان أن (جونسون) أشار ذات يوم إلى أن
"الرئيس أوباما يحمل مشاعر معادية لبريطانيا بسبب أصوله الكينية"!!!
وبغض النظر عن الحساسيات الشخصية، يؤكد عديد المراقبين أن (بايدن) سيركز على إصلاح
العلاقات عبر الأطلسي بعد أن أضر بها (ترامب)، وسيركز بالتالي على باريس وبرلين
أكثر من لندن (التي يهمها أساسا الاتفاق التجاري مع الولايات المتحدة بعد خروجها
من الاتحاد الأوروبي) وسيعمل (بايدن) على إصلاح "منظمة التجارة
العالمية" وتحسين العلاقات التجارية مع "الاتحاد الأوروبي".
بعيدا
عن شخصية (جونسون) الشعبوية، ستسعى بريطانيا، بمقتضى الميزان الاستراتيجي، لتعزيز
الروابط مع الولايات المتحدة التي لن تمانع في ذلك. وبحسب (إريك براتبيرغ) مدير
برنامج أوروبا في "مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي": "من الواضح أنه
يوجد شعور لدى بعض المحيطين ببايدن بأن بريكست كان سياسة خاطئة تماما، لكن بايدن
يقر بأهمية العلاقة مع بريطانيا ولن يكون صورة معكوسة لترامب الذي خرق البروتوكول
الدبلوماسي عبر التقليل من شأن قادة دول حليفة، خاصة المستشارة الألمانية أنغيلا
ميركل". واعتبر (براتبيرغ) أن "مقاربة ترامب كانت ترتكز أكثر على تغذية
الانقسامات داخل أوروبا، في حين يعتبر بايدن أن إرثه يجب أن يرتكز على محاولة
معالجة بعض تلك الانقسامات". وفي المحصلة، نستذكر عديد القضايا التي تتوافق
فيها آراء (بايدن) بشكل كبير مع آراء بريطانيا: على رأسها التشدد مع روسيا، وإحياء
الاتفاق النووي الإيراني، ومكافحة انتهاكات حقوق الإنسان في الصين (وغيرها) علاوة
على قضية المناخ وخفض انبعاثات الكربون.