بقلم:
د. أسعد عبد الرحمن
في
العام 1951، وبأمر من الحاكم العسكري الإسرائيلي أخليت قرية "العراقيب"
الفلسطينية في النقب بداعي الحاجة لها لإقامة تدريبات عسكرية. وفي عام 1960، أصدرت حكومة الاحتلال قانون "أراضي إسرائيل" الذي
يقضي بأن "أراضي إسرائيل التي تقع تحت ملكيّة سلطة التطوير أو الصندوق القومي
اليهودي، لا يمكن نقل ملكيّتها بالبيع أو بأي طريقة أخرى"، وبذلك باتت
"العراقيب" ضمن أملاك "دولة إسرائيل"!!
ومنذ
2010، حين تعرضت "العراقيب" أول مرة للهدم الكامل بالجرافات الإسرائيلية،
وشُرد أهلها بحجة "البناء دون ترخيص"، لا يمر شهر إلا ويتكرر فيه خبر إعادة
هدم القرية، ولا يزال العداد مستمرا. ومعلوم أن "العراقيب" هي قرية ضمن (45)
قرية في النقب لا تعترف بها دولة الاحتلال، بمعنى منع إقامة بنى تحتية فيها، ورفض ربطها
بشبكات الكهرباء والمياه، وعدم إقامة عيادات ومدارس وغيرها من مستلزمات الحياة. وفي حزيران/
يونيو 2013، بدأت مرحلة جديدة من الصراع على أراضي النقب، حين أقر الكنيست
الإسرائيلي (البرلمان) "قانون برافر"، الذي حصل على اسمه من (إيهود
برافر) وزير التخطيط الإسرائيلي الأسبق الذي كان قد أوصى به، وينص على "مصادرة
أراض مساحتها نحو 850 ألف دونم في منطقة النقب جنوبي فلسطين، وهدم أكثر من 30 قرية
فلسطينية لإقامة مستوطنات صهيونية، وتهجير السكان العرب الذين يشكلون نحو 30% من
سكان النقب، وحصرهم في مساحة مخصصة لا تزيد عن 1% من مساحة المنطقة".
وبما
أن "القضية الفلسطينية" هي، إسرائيليا، قصة صراع على الأرض، وصراع مع
أهلها، بات النقب اليوم يواجه، في ظل حكومة اليمين الإسرائيلي المتطرف، أخطر مخطط
ترانسفيري كولونيالي اقتلاعي، عبر إحداث تغييرات جغرافية وديمغرافية تمنع التواصل ليس
فقط بين الضفة الغربية وقطاع غزة، وإنما أيضا بين عرب النقب وتواصلهم الجغرافي مع
غزة، ما يهدد الصبغة اليهودية "النقية" المنشودة للدولة الصهيونية. هذا،
فضلا عن إن "منطقة النقب" مهمة جدا في المنظور الاستراتيجي الإسرائيلي (مساحتها
حوالي 13 مليون دونم أي أكثر بقليل من نصف مساحة فلسطين التاريخية). والمنطقة - من
وجهة النظر الإسرائيلية – موقع طبيعي لتطوير الصناعة والسياحة والزراعة، وأيضا استيعاب
مئات الآلاف من الغزاة اليهود القادمين من شتى أنحاء العالم.
تتجلى
المعاناة التي يشهدها النقب في حالة هذه القرية التي أصبحت بمثابة رأس الحربة في
مواجهة الهدم المتكرر والمتواصل (178 عملية هدم منذ 2010) لإزالتها عن الوجود،
فيما يعيد السكان بناءها بعد كل عملية هدم، لتتكرس رمزا كفاحيا في جميع أماكن وجود
الشعب الفلسطيني. ذلك أنه حين يقوم السكان بإعادة بناء القرية باستمرار تتعزز
معاني كون الاحتلال يهدم والفلسطينيون يبنون، والاحتلال يدمر الحياة والفلسطينيون يبنون
أفقا لها بوصفها حكاية قرية فلسطينية ترفض الموت وتقدم نموذجا لتمسك الفلسطيني
بأرضه، وإن في سقوطها نجاح للاحتلال سينسحب على باقي القرى والتجمعات العربية
المصنفة ضمن رؤية المحتل "قرى غير معترف بها"!! وأتساءل، مع المتسائلين، وبصوت عال: هل يحدث في
أي مكان في العالم مقارفات مثل هذه التي تشهدها فلسطين التاريخية؟!!!