التمييز ضد المرأة لا يزال موجودا في كثير من نواحي
الحياة المختلفة بالرغم من وجود تحسن واضح في وضع المرأة في المجتمعات العربية في
السنوات الاخيرة. فهناك امتداد للعقلية التقليدية التي لا ترى في المرأة ابعد من الاخت
والأم والزوجة وربة البيت. كما يتم محاربة النشيطات من النساء عبر التأثير على
الجمهور تحت شعارات الدين والقيم المحافظة نتيجة فهم قاصر للمبادىء الدينية ولقوة
التقليد. وكل ذلك رغم ان التجربة العربية الإسلامية أكدت على أهمية مشاركة النساء
حيث كن نشيطات في مجالات الحياة المختلفة. واليوم، لسنا في حاجة إلى تعداد أوجه
المعاناة التي تعيشها المرأة العربية في حياتها اليومية لنقر بحقها في حياة أفضل
مما يقدمه نظامنا الذكوري، مع التشديد على أن هذه المعاناة تحولت إلى مدخل حقيقي
للوعي بوطأة هذه القضية على مستقبل المجتمع.
مؤخرا وراهنا، سلطت الاحتجاجات الأخيرة في لبنان الضوء على دور المرأة في
التغييرات السياسية الحاصلة حالياً، لتكون لها - كما لرجاله - وجه الثورة وصوتها على
الأراضي اللبنانية، من خلال مشاركتها الواسعة في المظاهرات التي انطلقت احتجاجاُ
على الوضع الاقتصادي في البلاد. وفعلا، تنوعت المشاركة النسائية لتشمل جميع الفئات
العمرية والطوائف ومختلف الأدوار جنباً إلى جنب، وهو ما صبغ الاحتجاجات بلون موحد،
وخطاب وطني عابر للطوائف والمذاهب. وبعبارات الكاتب المبدع سمير عطاالله:
"هذا البلد الصغير المفكك الذي خرج منه مئات الآلاف... لأول مرة في تاريخه
بعزيمة وصمود ذاتيتين.. رافعين جميعا علم وطنهم... بوجوههم السافرة أمام
الكاميرات... دون أن يجرؤ سياسي واحد على الظهور بينهم... رافعين صوتا واحدا
بعشرات اللهجات... بعد أن لم يعودوا قادرين على تحمل وجوه العسف والغطرسة والعجرفة
والوقاحة واحتقار عقول الناس وازدراء كراماتهم". وكل ذلك لجهة بناء دولة
مدنية، ومحاربة الفساد والفقر والسرقة، وأيضا في مواجهة سلطة المال وحكم المصارف
ورموز الإقطاع السياسي والمحاصصة الطائفية، ومحاولة إنتاج بديل جديد قادر على
إنصاف المرأة اللبنانية، وتحقيق نوع من أنواع المساواة في العدالة الاجتماعية في
بلد يضم 18 طائفة.
غير أن مرض الذكورية المقيتة لبعض السطحيين ومحاولات "الطابور
الخامس" كلها ركزت عبر مواقع التواصل الاجتماعي - وفي عديد الحالات على نحو
مبتذل ومهين - وأحيانا بتركيب وتزييف صور وفيديوهات تركز على شكل النساء اللبنانيات
وجمالهن وفيض أنوثتهن لتسخيف الثورة بدل التركيز على أفعال المناضلات، وكأن الجمال
يناقض الشموخ والعزة والكرامة ويتنافى مع الثورة، وكأن اللباس هو ما يحدد شجاعة
البشر ومواقفهم! ولم تفلح كل محاولات "التنمر" و"التسليع" و"الاستلاب
الثقافي" و"التهميش" و"التمييع" الذي مورس ضد المرأة
اللبنانية في توجيه أنظارها عن القبلة الأولى بخلق محاور اهتمام هامشية تجعل منها عبدة
لقارورة عطر أو فستان سهرة من أرقى الماركات العالمية، فبوصلتها كانت دائما وفي كل مناسبة هي لبنان ثم لبنان ثم
لبنان بل وفلسطين. "الإتجاه المعاكس" لكل ذلك يأتي في تلك النظرة الدونية
والخطاب المستتر لتقزيم عمل وطني بهذا الحجم وهذه العظمة بسبب مخالفتهن لنسق
اجتماعي يفرض عليهن الامتثال للتعريف الذكوري لمنظومة الأخلاق، رغم خروجهن لمشاركة
الرجل في الدفاع عن الحقوق والوطن في مشهد لم يكن يتوقع يوما في بلد يتغلغل فيه
الفساد والطائفية، الأمر الذي فيه إهانة للذكورة أكثر منه للمرأة نفسها، وهو أيضا الأمر
الذي أثار حنق عديد النساء وحتى الكثير من الرجال
في لبنان والوطن العربي.
بغض النظر عن "اختلاف" المشهد اللبناني -لا سيما نسائه- في
عينيّ المشاهد العربي، فإنهن - حقا - مناضلات نزلن إلى الساحات كما فعلن
الفلسطينيات أولا ودائما، والسوريات واليمنيات والعراقيات والمصريات والتونسيات
والسودانيات وغيرهن، فكان الفارق بينهن في اختلاف البيئة وخصوصية المجتمعات. فلبنان
بلد مركب ونسيج غني رغم اختلافه وتنوعه الديني والطائفي والمذهبي وتباينه
الاجتماعي والإقتصادي والثقافي. ومن يزر لبنان يخض – بالطبع - تجربة لافتة بنكهة
شرقية -غربية غير متوفرة في أي بلد آخر. لذلك تقاطعت طبيعة الحراك اللبناني -بالضرورة
- مع هويته، وحتى عندما هي بدت إنفعالية أحيانا وهزلية أحيانا أخرى ومضحكة في بعض
المواقف وغاضبة معظم الأوقات، إلا أنها غير مصطنعة، فاللبناني تركيبته نفسها لم
تتغير منذ الحرب الأهلية، صباحه قتال ومساؤه احتفالات حتى ولو في الملاجىء.
الصراع المحتدم بين الثقافة الذكورية التقليدية وبين الحراك الاجتماعي
المتجدّد، أفرز مطالبات كثيرة لصالح الجنسين معا، كما أبرز الحاجة لدور المرأة
كفاعل ثقافي وسياسي واجتماعي واقتصادي. ونتيجة لذلك، تبلورت الانتفاضات والحراكات
الشعبية المطالبية، رغم تشعّب الاتجاهات واختلاف الانتماءات، فما وحد الجنسين من
مختلف الأطياف في بلاد عربية عديدة هو المطالبة بالحقوق الأساسية التي كفلتها لهما
حقوق الإنسانية قبل أن تكفلها الدساتير العربية. والعالم العربي، اليوم، بحاجة
ماسة إلى تغيير وضع المرأة ورفع مكانتها وتحقيق المساواة فى الحقوق والواجبات
بينها وبين الرجل لأن ذلك يعتبر مطلبا دستوريا وقانونيا، هذا بالإضافة إلى ضرورة
الاستفادة من طاقات وإبداعات المرأة التي تشكل نصف المجتمع، لأن مكانة المرأة فى
المجتمع تستخدم كمقياس لدرجة التقدم الاجتماعي والإقتصادي في هذا البلد العربي أو
ذاك. وغني عن الذكر أن مثل هذا التغيير يجب أن يندرج ضمن مشروع أشمل لتحرير
الإنسان العربي.