حلمي الأسمر
منذ أشهر كانت تبادره كل صباح بتحية عطرة، فيها دعاء طيب أو صورة جميلة أو مشهد يشرح الصدر، وكان يرد عليها التحية بأحسن منها، ما يربطه بها لم يكن علاقة «تواصل اجتماعي» من جنس تلك العلاقات التي تربط ملايين الناشطين على منصات الإعلام الجديد، إنها علاقات افتراضية، لكنها تتيح قدرا كبيرا من تبادل الأفراح والأتراح والمعلومات، وذات يوم بادرته بتحية الصباح، كما هي عادتها، مع صورة جميلة لفنجان قهوة، فرد عليها بكلمتين فقط: مساء الحب، وكان الفراق!
لم تعد تحييه كالسابق، اختفت فجأة، كأنه أرسل لها «شتيمة» من العيار الثقيل، حب؟ هل أنت مجنون؟ كان حريا بك والحالة هذه أن ترسل لها» صباح الكراهية، أما الحب؟ فذاك يعني انتهاكا لحرمة المحرمات، وقدسية العلاقات! كيف سولت لك نفسك أن تضع كلمة «حب» في سياق «طاهر» بريء؟ أي دنس هذا؟
هو لم يكن يحبها، ولا يكرهها، علاقة افتراضية بلا معنى حقيقي، علاقة «صداقة» خالية من أي نوايا سيئة أو حسنة حتى، ومع هذا لم تحتمل كلمة «حب» كأنها رجس من عمل الشيطان!
حب! هل جننت يا رجل؟ حب! بلى، حب، على رسلك قبل أن تلقي بسوء النية في وجوه الخلق، تريث قليلا، وجد لها عذرا، ألم يرتبط الحب بالانحلال وقلة الحياء والابتذال لدى كثير ممن يطلبه؟ لم تلوم أنثى عربية تشعر أنها مشروع ضحية بمجرد أن يحدثها رجل عن «الحب»؟ أليس من الحرص على العفة والبراءة والترفع أن تبعث كلمة «حب» في نفس أنثى الشرق ما تبعثه لسعة نحلة أو ثعبان حتى في جسدها؟ ثم ما أدراك ما عانت هي من «الحب» على طريقة الانتهازيين وطلاب الانحلال؟
ومع هذا، ليس مبررا أن «تجفل» أنثى الشرق من هذه الكلمة، ثمة متسع المصارحة، لا الهرب والاختباء!
-2-
قريب من هذا الموقف العجيب، رد الفعل المفاجىء الذي بادرني به أحدهم، حين سألني عن طبيعة عملي، قلت له أنني اعمل كاتبا صحفيا في الدستور، فلم يثر في نفسه الجواب أي فعل جيد، بل شعرت أنه يعيش حالة ما من الامتعاض، ما دفعني لسؤاله عما إذا كان يقرأ الصحف عموما، هنا تحديدا شعرت أن الرجل كان كمن لسعه دبور وليس نحلة، فرد علي بشيء من الغضب: وما حاجتي للصحف ولدي القرآن والسنة؟
الجواب المفاجىء ألجمني لوهلة، فما علاقة مقاطعة الصحف بالاكتفاء بالقرآن والسنة؟
تماسكت قليلا، ودون أي رغبة في الدخول في حوار عبثي مع رؤية عبثية أصلا، قلت له، أنني درست القرآن والسنة واقرأ الصحف، لم يعجبه جوابي، أشاح بوجهه عني، وصمت، وصمتّ!
ثمة مئات التعليقات التي يمكن أن تقال هنا، ولكنني سأتركها للقارىء العزيز.
هذا الموقف ذكرني بموقفين مرا في حياتي، في السياق نفسه، الأول حينما سألني زميل دراسة متدين افترقنا بعد تخرجنا في الجامعة، فقلت له إنني أعمل في وكالة الأنباء الأردنية، فما كان منه إلا أن قال: «خَرْجَك» أي بتستاهل، وكان يود أن يكمل: ألله لا يردك، كأن العمل في الإعلام عقوبة! أما الموقف الثاني فقول مأثور لأحد الدعاة الكبار، حين كان يصف العمل الإعلامي بأنه «علم لا ينفع»، مع أنه بعد فترة اشتغل به!
-3-
العلاقة بين الموقفين وطيدة، سواء من خافت من كلمة حب، أو من استاء من كلمة صحف وإعلام، باختصار، كثير منا لا يعرف كيف يعيش، وبحاجة للتدريب على الحياة!
عن الدستور