حلمي الأسمر
في مثل يوم السبت الماضي، قبل تسعة
وستين عاما، لم يكن يوما عاديا في حياة قرية الدوايمة، قضاء خليل الرحمن، هذه
القرية شهدت المجزرة الأكثر بشاعة في تاريخ الكيان الصهيوني المتوحش، ولم تكن
مجزرة دير ياسين غير «بروفة» صغيرة لما جرى في الدوايمة، لم أكتب عنها اليوم وأنا
عادة لا أحب الكتابة بالمناسبات؟
ما دفعني لإعادة استذكار تلك المشاهد
المتوحشة التي تفوق كل ما ارتكبته «داعش» من عنف دموي، سببان، الأول أنني عثرت على
ترجمة لرسالة كتبها أحد الجنود الصهاينة واسمه ش. كابلان بتاريخ 8/11/1948 ( اي
بعد نحو عشرة ايام من مجزرة الدوايمة) إلى
صديقه اليعازر بري الذي كان يعمل محررا في صحيفة «عل همشمار»،ويصف له فظاعة
المجزرة. هذه الرسالة كانت موجودة في
ارشيف «أهارون تسيزلينغ» وهو وزير الزراعة الصهيوني حينئد، وممثل حزب «مبام» في
الحكومة، واعتمد عليها بعض المؤرخين اليهود أمثال توم سيغف في كتابه «1949» وبني
موريس في كتابه «تصحيح خطأ». هذه الرسالة اختفت،من الارشيف،كما هو شأن مستندات
كثيرة من هذا النوع، في محاولة لإخفاء الجريمة. جاء على لسان الوزير تسيزلينغ قوله
في جلسة الحكومة التي عقدت في 17 تشرين الثاني/نوفمبر 1948:
«تلقيت رسالة من شخص واحد فيما يتعلق
بهذا الموضوع. يتعين عليَّ القول هنا بأنني كنت على معرفة وإطلاع على الوضع في هذه
المنطقة لدينا، وقد طرحت هذا الأمر في غير مرة على هذه المائدة. بعدما قرأت ما ورد
في الرسالة التي تلقيتها، لم يغمض لي جفن طوال الليل. شعرت أن شيئا ما قد حدث تأذت
له روحي وروح بيتي وأرواحنا جميعا هنا. لم أستطع أن أتصور من أين أتينا وإلى أين
نحن ذاهبون (...) لم أوافق دائما عندما ألصقوا بالإنكليز كنية نازيين. لم أكن أرغب
في استخدام هذا التعبير تجاههم، على الرغم من أنهم ارتكبوا أفعالًا كأفعال
النازيين. ولكن مثل هذه الأفعال النازية ارتُكبت على أيدي يهود، وهو أمر هز كياني
بأكمله. نحن مضطرون إلى التلوّن أمام العالم، ولذلك فإنني أوافق على أن لا نكشف
أننا نحقق في مثل هذه الأعمال، لكن ينبغي التحقيق فيها»!
أما السبب الثاني الذي يدفعني للكتابة،
فهو رغبة حارة في أن يتذكر كل صاحب يد عربية أو مسلمة تمتد لمصافحة يد صهيوني، أن
تلك اليد ولغت في دم أخ أو اخت له، في العروبة أو الإسلام، وأنه يتعين عليه أن
يغسلها جيدا بمزيل الدم، وهو منتج لم يتم اختراعه بعد، لأن دم البريء لا يغسله
مزيل، إلا أن تقطع تلك اليد التي أراقته!
«لم تكن هناك معركة ولا مقاومة . المحتلون الاوائل قتلوا ما بين ثمانين حتى مئة
عربي من النساء والاطفال. .قتلوا الاطفال وهم يحطمون ويسحقون جماجمهم بالعصي. لم
يكن هناك بيت دون قتلى. في البلدة بقي عرب وعربيات ادخلوهم الى البيوت واغلقوا
خلفهم دون ان يعطوهم مأكلا او مشربا. بعد ذلك جاء رجال المتفجرات لكي يفجروا
البيوت. احد القادة امر مفجر البيوت ادخال عجوزتين عربيتين للبيت المحدد الذي ينوي
تفجيره عليهم. رجل المتفجرات رفض ذلك وقال انه مستعد للعمل حسب اوامر قائده. حينها
امره قائده ادخال العجوزتين والجريمة تمت. جندي اخر تفاخر انه اغتصب امرأه عربية
وبعد ذلك اطلق النار عليها. امرأه عربية مع طفل ابن يومه في حضنها شغلوها في تنظيف
الساحة،المكان الذي يأكل به الجنود. يوما او يومين عملت على خدمتهم وفي النهاية
اطلقوا النار عليها وعلى طفلها. كلما بقي عرب اقل – كان ذلك افضل. هذا المبدأ في
عمليات الطرد والعمليات الفظيعة التي لم يعارضها احد ليس في القيادة الميدانية
وليس في القيادة العليا. انا نفسي كنت في الجبهة اسبوعين وسمعت قصص التفاخر من
الجنود كيف يتميزون بعمليات الصيد «والاصابة» ،اصابة عربي ،دون اي سبب وفي كل
الظروف كانت مهمة محترمة وكانت منافسة على الفوز بها. قائدي قال لي ان هناك امرا
غير مكتوب بعدم أخذ اسرى،وتفسير «اسرى» اعطي لكل جندي وقائد»
هذه مقاطع سريعة من تلك الرسالة، نضعها
بين يدي كل من لديه ولو ذرة من إحساس بشري، لعل فيها ما يردعه عن مد اليد للقتلة
المتوحشين، ومن ورثهم، في كيان بني على جريمة!
عن الدستور