حلمي الأسمر
كلما عشت «خارج النص» أكثر، كلما زادت معرفتك بـ «النص» أكثر!
نحن مولعون بقراءة «ما بين السطور» .. حتى حينما لا يكون ثمة أي سطور!
لا بد أن تقطع صلتك بالعالم الخارجي، بين حين وآخر، لتتصل بعالمك الداخلي، وتستمع لما تقوله لك «أناك» الأخرى، الجوانية، التي ترقبك بصمت عن كثب!
لا بد أن هناك طريقة ما، للقيام بعملية «إعادة ضبط مصنع» لأرواحنا، كي تستريح من غزو «الفيروسات» وكثرة «التطبيقات» السيئة، التي تثقل الحركة، وتلزمك بعملية «إعادة تشغيل» دائمة لك!
بعض الجروح التي تصيب الروح، لا تندمل، بل تبقى مفتوحة، تنز حزنا، وحتى لو اندملت، تترك من الندوب ما يشوه إحساسنا بالحياة!
كم هو شقي، من يبحث عن الفرح، وهو لا يعرف ما معنى فرح!
بعض الحكايات كالملابس، نفرح لجديدها، وقد نتخلص من قديمها، وثمة حكايات، تلتصق بجلودنا، كالشامات، وتصبح جزءا من «الصندوق الأسود» نموت وقد تبقى حية في حكايات الآخرين!
-2-
الرجل يعشق الأنثى في مبدأ الأمر؛ لأنها امرأة بعينها: امرأة بصفاتها الشخصية التي تتميز بها بين سائر النساء، ولكنه إذا أوغل في عشقها وانغمس فيه أحبها لأنها «المرأة» كلها، أو المرأة التي تتمثل فيها الأنوثة بحذافيرها وتجتمع فيها صفات حواء وجميع بناتها، فهي تثير فيه كل ما تثيره الأنوثة من شعور الحياة. وأي شعور هو بعيد من نفس الإنسان في هذه الحالة؟ إن الأنوثة لتثير فيه شعور القوة، وشعور الجمال، وشعور اللذة، وشعور الألم، وشعور الجموح والانطلاق من قيود المنطق والحكمة، وشعور الإنسان كله، وشعور الحيوان كله، بل تثير فيه حتى الشعور بما وراء الطبيعة من أسرار مرهوبة، ومن أغوار لا يسبر مداها في النور والظلام؛ لأن المرأة حين تمثل الأنوثة هي مناط الخلق والتكوين، وأداة التوليد والدوام والخلود، وهي مظهر القوة التي بيديها كل شيء في الوجود وكل شيء في الإنسان.»
هكذا تحدث عباس محمود العقاد، داخل نص روايته اليتيمة سارة، كما لم يتحدث أحد، واصفا تلك العلاقة المعقدة التي تربط حواء بآدم!
يندر أن يصف أحد طبيعة العلاقة بين الرجل والمرأة، كما فعل العقاد، على الرغم من أن هذه العلاقة تحديدا، كانت مثار اهتمام كل الفلاسفة والكتاب والأدباء على مر العصور، والملاحظ أن كلا منهم كان ينظر إليها من زاويته الخاصة، أو من واقع خبرة شخصية معينة، أما العقاد، فبالرغم من كون الرواية كما يقول أكثر من ناقد، وخاصة ممن كانوا مقربين من العقاد نفسه، ربما كانت طرفا من سيرته الذاتية، إلا أنها كانت على نحو آو آخر سبرا لغور المرأة، ومحاولة جيدة لوصف هذا الكائن الفريد الجميل!
-3-
في لحظة ما، وأنت تطرق أبواب مملكة النوم، يهيأ لك أنك نائم، وما أنت بنائم، وأيضا، لست في حالة صحو كامل، فثمة قدم في أرض النوم، وأخرى في أرض الصحو، تأتيك أفكار، أو خيالات أو مشاهد، غائمة، بعضها واضح، والآخر أشبه ما يكون بالأحاجي، أجمل النصوص تلك التي كنت ستكتبها وأنت على هذا الحال، ولكنك عادة ما تشعر بالكسل الذي يستلزم الخروج من تلك الحالة، وامتطاء حالة الصحو الكامل، فيضيع عليك «نص عمرك» حين يفلت منك ذلك النص الذي كان عليك أن تكتبه، وأنت نصف نائم ونصف صاح!
عن الدستور