حلمي الأسمر
منذ نحو ثلاث سنوات، كتبت هنا داعيا لإنشاء صندوق للغارمين، وعدت وأثرت الاقتراح مرة أخرى قبل فترة وجيزة، وها هي وزارة الأوقاف تبادر مشكورة وتخصص جزءا من إيرادات صندوق الزكاة لسهم الغارمين، وتخص النساء أولا بهذا الإجراء..
عمدت الوزارة لحصر أسماء وحالات النساء اللواتي أودعن مراكز الإصلاح بسبب الديون، وتم تحديد أسمائهن وفق معيار خاص، يتعلق بالمبالغ المترتبة عليهن، وبما يقل عن ألف وخمسمائة دينار لكل حالة، وتم تخصيص مبلغ نصف مليون دينار لهذا الغرض لصرفها في سهم الغارمات خلال هذا العام والعام القادم.. وهي خطوة عبقرية ومقدرة عاليا في المجتمع، خاصة وأنها تمت بعد دراسة مستفيضة، ووفق معايير معينة، ولا تتعلق لا بالواسطة ولا بالمعارف، بل بالجهة الأكثر استحقاقا، وحسب ما هو متاح من أموال..
المهم في الموضوع، أن صندوق الزكاة وضع عددا من الأسس والتعليمات الخاصة التي يتعامل بموجبها مع الحالات التي ستستفيد منها الغارمات، فكانت الأولوية لسداد ديون النساء الموجودات داخل السجون أو المطلوبات على قضايا مالية من غير ذوات الأسبقيات او القضايا الجرمية، كما حددت سقوفا مالية للتسديد بحيث لا تتجاوز 1500 دينار للمحجوزات والمطلوبات على خلفيات جنائية شريطة عدم التكرار حسب ما هو وارد في مصارف الزكاة.
ومما هو مهم هنا، أن الصندوق لا يتعامل مع الطلبات الفردية التي تقدم من خلاله بل يقوم بالتعامل مع الجهات الرسمية المخولة بذلك، والممثلة بمديرية الامن العام ودائرة التنفيذ القضائي، وهو أمر يحقق عدالة مطلقة، بعيدا عن أي معايير غير صالحة..
ومن المعروف ان الصندوق أجرى دراسة اجتماعية وافية لكل حالة، ليتسنى له تسديد اكبر قدر ممكن من الغرامات وإخلاء سبيل السجينات وإعادتهن إلى أسرهن خلال شهر رمضان الفضيل وقبل عيد الفطر السعيد، وهذا ما تم بحمد الله..
والحقيقة أن هذه مناسبة مواتية لتحذير المواطنين والنساء خاصة من الدخول تحت براثن بعض الشركات والمؤسسات التي تتسبب في تعثر الغارمين وتودي بهم إلي غياهب السجون. وهي مناسبة لإعادة استنهاض همم المحسنين، لدفع زكاتهم لصندوق الزكاة التابع لوزارة الأوقاف، للمساهمة في دفع ما يترتب على الغارمين من ديون، وفق المعايير المحددة، التي تراعي العدالة، وتحقق المصلحة.. ونحن نأمل أن تمتد مبادرة صندوق الزكاة وتشمل الرجال والنساء على حد سواء، خاصة وان هناك أرباب أسر منسيين في غياهب السجون، جراء عجزهم عن سداد ديون بسيطة، قد لا تتجاوز المئات، وهم ليسوا بأقل حاجة للسداد عنهم من النساء الغارمات، لأن في رقابهم أسرا عدمت المعيل، وتقطعت بها السبل!
الشكر موصول لصاحب هذه المبادرة، ونسأل الله تعالى أن تكون في ميزان حسناته، وأن يتطور الأمر أكثر فأكثر فينشىء صندوقا خاصا بهذه الغاية، مكرسا للسداد عن الغارمين، الذين أخطأوا أو نصبت لهم الشراك، فوقعوا ضحايا لشركات ومؤسسات التمويل، فهذه الفكرة في مضمونها ترجمة لمفهوم التكافل الاجتماعي، لنرفع عن كاهل الآلاف من ابناء هذا البلد ما هم فيه من هم وغم مقيمين، والله عز وجل في عون العبد ما دام في عون أخيه.
عن الدستور