حلمي الأسمر
كنت أظن أنني من القلة القليلة التي لا تجد حرجا في الإفطار في رمضان على أكل بايت، لأفاجأ أن القصة معقدة قليلا، فثمة من يفضل أكل بعض الطبخات بايتة من باب «المزاج» وثمة من يأكل من الطبخة ثلاث مرات وما عنده مشكلة يبقى «يمز» على الطبخة حتى تخلص، في يوم أو يومين أو ثلاثة، أما الصورة الأكثر تعقيدا فهي فئة من الأردنيين لا تأكل الأكل البايت أبدا، ليس تعففا ولا تقززا ولا مزاجا، بل لأنه لا يمكن أن يبقى شيء من الطعام لليوم الثاني، فالطايح رايح، وهؤلاء وإن كنا لا نمتلك آلية لعدهم، ومعرفة نسبتهم في المجتمع، إلا أنهم يشكلون النسبة الكبرى من مجمل السكان، حسب أكثر من معطى ودليل!
-2-
بالأمس نشرت على صفحتي على فيسبوك أنني أفطرت محاشي بايتة، وسألت كم من الصائمين والصائمات يستطيع أن يأكل مرتين وعلى يومين من أكلة واحدة، ففاضت علي التعليقات، وكلها تؤكد أنها تحترم الأكل البايت، وتتعامل معه كما لو كان طازجا، بل إن البعض يبيّت بعض الأكلات كي يحلو طعمها أكثر، وتصبح أكثر جودة وشهية زيادة، ولم يؤلمني من التعليقات إلا من قال بالحرف الواحد: « أكثر من 90 % من شعبنا بطبخوا يوم وبسخنوا يوم وبمشوها الثالث نواشف وكثير من هذه النسبة يطبخون الطعام في الأسبوع مرة او مرتين فقط وهناك من لا يستطيع الطبخ وهناك من يبيت طاوياً لا يعلم عنه احد سوى الله» والحقيقة أن هذا التعليق لم يجانب الحقيقة، بل إنه شديد الدقة، فقد مررت بتجارب شخصية تؤكد صحة كل ما قيل..
-3-
= يا ريت كل السنة رمضان، اللهم أدم علينا نعمة رمضان..
= أي والله يا بنتي، الحاويات بدها تتسطّح من الخيرات، شهر خير عن جد..
= الحمد لله، من دخل رمضان، واحنا نتقلب في النعيم، قطايف، ع رز، على لحم على جاج، كأنه أهل عمان، الله يستر عليهم، بشتروا زيادة غراظ مشان يطعمونا!
= ما أظن يا بنتي، هذول مفاجيع، بهجموا ع السوق وهم جوعانين، وبشتروا بالهبل، وبعملوا أكل وهم عيونهم فاظية، ولما يفطروا بوكلوا حاجتهم، وبزيد كثير، بكبوه بالحاويات، مش حب فينا، لأنه ثلاجاتهم تفزرت وما عادت تتحمل أكل بايت، غير أنهم أصلا ما بوكلوا بايت قال!
لم أستطع أن أتابع الاستماع، أو بالأحرى، انتبهت السيدة وابنتها لي وأنا أسترق السمع، فتبادلتا النظرات، وصمتتا، واستمرتا في نبش الحاوية، وإخراج ما تحويه من «خيرات»..
-4-
رن جرس البيت، انتبهت مفزوعا، وهرعت لفتح الباب، حيث أطلت علي سيدة في منتصف العمر، وبعد التحية، ألقت علي سؤالا لم أتوقعه أبدا: هل لديكم أكل زايد؟ هذا آخر ما كنت أريد سماعه، خاصة بعد استماعي لذلك الحوار بين السيدة وابنتها، وهما تنبشان الحاوية! للحظات، لم أجد جوابا، ولم أدر ما أقول، شعرت برغبة عارمة بالبكاء، والاعتذار للسيدة، لأنها وصلت إلى درجة أن تسألني سؤالا كهذا! قلت لها: انتظري، ثم هَجَمْتُ على الثلاجة، وأخذت بإفراغ ما وصلت إليه يداي، في وعاء، وأنا في حالة انعدام وزن، فأنا أعرف أن التسول أصبح مهنة، في كثير الأحيان، لكن ماذا تقول لمن يطلب طعاما؟ أهو يمتهن التسول فعلا؟ أم أن ثمة ظروفا أخرى ألزمت هذه السيدة، سؤال الطعام؟ (مقطعان من مقال سابق)
داخل النص جدا: يحرم إلقاء شيء من الطعام الصالح للأكل في القمامة؛ لأن الطعام نعمة من الله تعالى، وفي إلقائه إساءة لهذه النعمة (من نص فتوى لدائرة الإفتاء)
عن الدستور