حلمي الأسمر
قد يكون ما أفكر فيه مجرد أضغاث أحلام، وقد يكون الحل السحري، القريب والبعيد في آن واحد، لاجتثاث مشكلة شُح المياه في الأردن، مرة واحدة وللأبد، وفِي كل الأحوال خذوني على «قد عقلي» ومن لديه اهتمام بهذا الموضوع بوسعه أن يدلي بدلوه!
الحل من الآخر هو في استخلاص الماء من الهواء، وهذه العملية ليست بدعة جديدة، فهي حلم الكثير من الباحثين والمخترعين، فيكفي أن تبحث عن الموضوع في غوغل حتى تأتيك قائمة هائلة من الأخبار والأبحاث والأجهزة المخترعة لاستخلاص الماء من الهواء!
حسبما قرأت، يتراوح تركيز بخار الماء في الهواء بين 10 و20 غراماً في كل (1)م3 مكعب. ويحتوي الهواء الجوي على ما يقدر بحوالي 14 ألف كيلو متر مكعب في صورة بخار ماء، وهذا القدر من المياه يزيد على عشرة أضعاف ما على الأرض من ماء في صورة أنهار أو بحيرات عذبة. هذه الكمية الضخمة من الماء في الهواء الجوي تظل ثابتة ولا تتناقص بسبب الأمطار وذلك لاستمرار عملية التبخير الدائم والناتج من أشعة الشمس. فإذا ما انخفضت درجة حرارة الجو المشبع بالبخار أو استطعنا تخفيضها إلى ما يسمى بنقطة الندى يتحول البخار إلى ماء وهذه النقطة تختلف باختلاف تركيز البخار ودرجة الحرارة. وللوصول إلى هذه النقطة وفصل الماء عن الهواء الجوي، يمكن استخدام أي من الطريقتين الآتيتين:
اولاً: تبريد الهواء حتى درجة حرارة أقل من نقطة الندى، وهي تنخفض كلما انخفضت الرطوبة النسبية للهواء الجوي. وظاهرة الندى من الظواهر الطبيعية التي تحدث عند إخفاض درجة حرارة الجو بشكل ملحوظ، وكان، وربما، مازال سكان المناطق الساحلية يستفيدون من تلك الظاهرة لسقي بعض الأشجار والنباتات، وتقوم على مايحمله الهواء معه من بخار الماء تختلف كميته باختلاف الفصول والقرب أو البعد من البحر، فإذا ما لامس ذلك البخار الأسطح الباردة تكثف وتحول إلى ماء كما نلاحظه على نظاراتنا عند الخروج من محل بارد في المناطق الرطبة الحارة، أو تلك الكميات الكبيرة من المياه التي تخرج من مكيفات الفريون نتيجة تكثف بخار الماء عند ملامسة الهواء الداخل للجسم البارد من المكيف، أو ما نشاهده من رذاذ على أوراق النباتات في الصباحات الباردة من أيام الربيع في أعقاب المطر حيث تزداد رطوبة الجو، ويطبق مزارعو المناطق الساحلية شيئا مشابها لذلك، حيث يقومون بتعليق جسم صلب، يسهل تكثيف البخار على سطحه عندما تنخفض درجة الحرارة أواخر الليل، ثم ينزل ما يتجمع من ماء في حوض الشجرة. كما لاحظ بعض الباحثين عند زيارتهم لبعض المناطق الصحراوية وجود بعض الصخور حول جذوع بعض الأشجار واستنتجوا أنها تقوم بتكثيف الماء اللازم من الجو لتعيش عليه الأشجار.
ثانياً: امتصاص الماء من الهواء باستخدام بعض الأملاح أو المواد الصلبة ذات القدرة العالية على امتصاص الرطوبة وإطلاقها، وتستخدم تلك الطريقة أساسا لتجفيف الهواء في العديد من الصناعات، ثم يتم إعادة فصل الماء من المادة الماصة عن طريق التسخين حتى درجة حرارة يبدأ عندها تبخر الماء والذي يتم تكثيفه للحالة السائلة بتعريضه لسطح أبرد نسبيا عند درجة حرارة الجو.
ومن ميزة هذا الماء، الذي يتم الحصول عليه بتلك الطرق نقاوته التامة من جميع الأملاح، فهو كماء المطر، إلا أنه يحمل بعض ملوثات الهواء، التي يسهل تنقيته منها.
هذه هي القصة باختصار، علما بأن بحوث تكثيف البخار من الهواء من أجل الحصول على ماء نقي بطريقة اقتصادية وسهلة ليست جديدة، لكن شح المياه الذي يشهده العالم حاليا زاد من الاهتمام بها ووجدت مكانها في مراكز البحوث والجامعات وأصبحت تلك الطريقة محل عناية المهتمين بشؤون البيئة في مختلف أنحاء العالم، ومن أوائل البحوث التي تم الحصول عليها والمتعلقة بهذا الموضوع ما تم نشره في عام 1947 في الاتحاد السوفيتي السابق في صورة براءة اختراع للحصول على الماء من الهواء الجوي، وفي عام 1961 نشر بحث بعنوان مشكلة الحصول على الماء من الهواء الجوي وقد أجري هذا البحث في إيطاليا من جامعة باري للباحث ج، نيبيا الذي قام باستخدام وحدة تبريد بقدرة صغيرة (حوالي 95 وات) ثم تم إمرار الهواء الجوي على المبرد في هذه الوحدة و تم تجميع الماء المتكاثف تحت المبرد، وهذا يشبه تماما ما يتم في وحدات تكييف الهواء، وقد قام الباحث بتكرار التجربة على فترات مختلفة خلال العام.
ثم تتالت الاختراعات والبحوث بكثرة، وتنوعت أساليب تجميع الماء من الهواء، واليوم بوسع أي مواطن شراء جهاز عبر موقع أمازون أو علي بابا الصيني يشبه «كولر» الماء، ولكنه يعطيك ماء باردا وساخنا على مدار الساعة، مستخلصا من الهواء، وهناك شركات اليوم متخصصة بإنتاج هذه الأجهزة سواء للاستخدام المنزلي أو الصناعي، فلم لا نطرح هذه المسألة على أنفسنا في الأردن، ولم لا نستفيد من هذه الاختراعات!
عن الدستور