حلمي الأسمر
بلغ حجم الأحداث الجسام التي تعصف بعالمنا بعامة، وبمنطقتنا العربية بخاصة، مستوى غير مألوف، فما يكاد المرء يفرغ من إغلاق فم الدهشة لرؤية مشهد مريع، حتى يفتحه تحت تأثير حدث مزلزل، ربما يكون غير مسبوق، والحديث هنا يدور حول المشهد الإنساني برمته، اقتصاديا وسياسيا وأمنيا وعسكريا، وحتى فنيا، فنحن اليوم ندور فيما يشبه «الخلاط» الضخم الذي لا يعطينا الفرصة الكافية للتوازن، والوقوف على قدمين ثابتتين، وربما يكون هذا هو شأن المجتمع الإنساني منذ قديم الزمان، ولكن الجديد هنا أن التطور الصاروخي في نقل المعلومة عبر منصات الإعلام المختلفة، شعبية كانت أم مؤسسية، جعلنا نعيش ليس في قرية صغيرة فحسب، بل كأن سكان الكرة الأرضية كلهم يجلسون معا في غرفة المعيشة في البيت، الأمر الذي وفر لنا حالة مذهلة من الشفافية المفرطة، لم تتوفر لأسلافنا البشر منذ سكنوا الكهوف، وقبل أن يكتشفوا النار!
-2-
في ظل هذا الفهم لواقعنا، يطرح من يتمتع بشيء من «التوازن» سؤالا في غاية الأهمية: ما دوري أنا وسط هذا «الخلاط»؟ هل أدور مع الدائرين، فأصرخ وأولول، ولا أكف عن الشكوى، وأخوض مع الخائفين؟ أم أحاول أن أصنع «كبسولة» افتراضية كي أتنفس هواء نقيا، خالصا، ليس مخلوطا بأي من الغازات السامة التي تطلقها الأحداث؟ والجواب في غاية الوضوح، فمن يمتلك القدرة على صناعة الكبسولة إياها، عليه أن ينأى بنفسه عن ذهنية القطيع، ويحاول تنوير الطريق للآخرين، ليس لإنقاذهم فقط من السوداوية التي تحاول قتلهم، بل محاولة فتح نوافذ من أمل، وهي بالمناسبة موجودة، ولكن تحتاج لمن يزيل عنها الغبار، فالكون وجد لكي يستمر، بك أو بدونك، ولولت أم ابتسمت، ألقيت رأسك على وسادة من غيم، أم ضربته بصخرة!
-3-
في محيطنا الصغير في وطننا الصغير تحديدا، نلهث وراء الحدث، ويلهث وراءنا، ولسنا استثناء من أمة ربما تعيش على حافة هاوية، و»منعطف تاريخي!» وبالمناسبة، منذ وعيت على هذه الدنيا وأنا أسمع وأقرأ مثل هذا المصطلح، وما يشبهه مثل نحن نعيش في «ظروف بالغة الدقة» و»ظروف استثنائية» و»حقبة خاصة» وغيرها، ما يعني أننا في المائة سنة الأخيرة على الأقل، لم نشعر باستقرار، ولا هدوء بال، كأننا كرة تتقاذفها الأقدام، فلا شيء جديدا على حالنا...
المهم..
أستذكر هنا حديث نبويا شريفا يقول: من قال «هلك الناس، كان أهلكهم» ومعناه أن من يدمن على ذم الحال واللطم وإشاعة اليأس، فهو كذلك، وهو يشيع ما هو عليه من بؤس بين الناس، كمن يبشر بالخراب، و»صلاح الحال من المحال!» ..
أفترض أن القارىء العزيز يدور في ذهنه الآن سؤال، وكأني به يقول لي:
إختصر، ماذا تريد أن تقول؟ فأقول له، أنني قلت، فاختر أين تكون!