بقلم: فادى عيد
فى اطار اعادة صياغة ادوار الادوات بالاقليم، وبعد استلام بريطانيا الراية مجددا من الولايات المتحدة التى فشلت فى مشروعها الاضخم الذي يعد اساسه توظيف الاسلام السياسي وتوليه سدة الحكم بالدول العربية، قبل أن تفشل المؤسسات الامريكية نفسها الحاكمة للولايات المتحدة من خلف الستار وفى مقدمتها الاستخبارات المركزية الامريكية فى تصعيد هيلاري كلينتون للبيت الابيض، وقدوم شخص كدونالد ترامب، وفى أطار العمل على امساك كافة ادوات امريكا بالامس، بعد الاعلان عن التواجد المباشر بالخليج بعد تدشين القاعدة العسكرية البريطانية بالبحرين، ثم زيارة تيريزا ماي مؤخرا لتركيا، قبل أن تحل المستشارة الالمانية انجيلا ميركل ضيفا على عدوها اللدود، وأن كان يأتى سبب زيارة ميركل فى الصحف هو بحث قضايا اللاجئين، فتقول الكواليس عكس ذلك تماما، فلا نستطيع أن نغفل حجم النشاط الاستخباراتي التركي على الاراضي الالمانية، بعد أن اعلن جهاز الاستخبارات الداخلية الالمانية التحقيق مع أئمة وافراد محسوبين على الاتحاد الاسلامي التركي لارتباطهم بأنشطة تجسس، الامر الذى جعل العديد من أجهزة الامن بأوروبا تضع عينها على المؤسسات الدينية التركية بالقارة العجوز، والتى تعد أحد أبرز أذرع جهاز الاستخبارات التركي.
وأن كنا ناقشنا دور وشكل مصر والاردن والامارات بالخريطة المستقبلية للمنطقة فى ظل التحركات السريعة التى تجرى هنا وهناك، وفرصهم فى الخريطة الجديدة التى يتم رسمها بين القوى العظمى الدولية والقوة الاقليمية، فبات من الضروري أيضا النظر لدور تركيا المستقبلي، خاصة وأنها الدولة التى يعد جيشها عمود أساسي بحلف شمال الاطلسي، بعيدا عن تقييمنا عن قوته الحقيقية خاصة بعد كم الاعتقالات التى طالت أغلب قيادته بعد محاولة الانقلاب الفاشلة بمنتصف تموز الماضي، كما أن جغرافيتها تحتم عليها ان تكون المعنية بأمن القارة الاوربية من أي خطر يهدد أمن القارة من جهة جنوب شرق أوروبا.
وهنا علينا أن نرى جيدا ما سيدور خلال الجولة الخليجية المرتقبة لاردوغان، وهي الجولة التى تأتى بتكليف من لندن، فى ظل رغبة بريطانيا فى عودة دور تركيا كقائد للعالم السني، وهو الامر الذى كان متفق عليه منذ بداية رسم مشروع "الشرق الاوسط الكبير" والذى كلفت به تركيا رسميا بمبادرة حلف شمال الاطلسي عام 2004م، وهو الامر الذى سيبقى على أمال تواجد التيار الاصولي السني بالمنطقة بعد مأصابه من زلازل عنيفة بعد ثورة 30يونيو بمصر، وهو مشهد يفسر لنا لماذا لم ترحب أنقرة بأقتراح موسكو بخصوص ضم مصر لترويكا الوسطاء بشأن سوريا، ولماذا رفضت باريس وبرلين لأي أجراء عقابي من ترامب ضد ايران.
فزيارة تيريزا ماي التى تستعد للخروج من الاتحاد الاوربي لتركيا التى تحلم بدخول الاتحاد، بعد قدوم ماي من واشنطن، أمر يؤكد أن لا غنى للمستعمر القديم والامبراطورية التى لا تغيب عنها الشمس عن رجل أوروبا المريض. فتواجد تيريزا ماي بقصر تشانكايا (مقر رؤساء تركيا منذ تأسيس الدولة التركية الحديثة) وليس قصر يلدز العثماني الذى احياه أردوغان يعد نقطة تحول رئيسية لتركيا الجديدة، ويظهر لنا توجهات بوصلة الامبراطورية العائدة سواء فى أفريقيا أو البلقان أو أسيا أو بالشرق الاوسط. وأن كانت بريطانيا تطل على العالم مجددا من منطلق بريطانيا العظمى ولذلك تعيد صياغة أدوات أمريكا بالامس وأدواتها هى أول أمس، فعلينا ايضا تأمل المناورات القادمة بين موسكو ولندن، ومن هو الفريق المناوئ للمستعمر القديم بالاقليم، فبريطانيا خرجت من الاتحاد الاوربي كدولة كي تعود للعالم كإمبراطورية.