يروى أن الشاعر أبو نواس ،دخل ذات يوم
على هارون الرشيد وهو جالس وعنده جاريتة
(خالصة) فامتدحه بقصيدته النونية العصماء
فلم يلتفت إليه الرشيد،وحتى لم يكترث بما قال ، فاشتد الغيظ بأبي نواس وانصرف من
حضرة الرشيد وهو حاقد على( خالصة) ولما أنتهى إلى باب بيتها كتب على الباب يهجو...
لقد ضاع شعرى ببابكم
كما ضاع عقد على خالصة ...
وفي الصباح قرأت خالصة الشعر فهاجت غضبا وذهبت
تشتكي ما قاله أبو نواس
فلما قرأ هارون الرشيد هذا البيت غضب
وأمر باحضار ابونواس...
وعندها عَلِم أبو نواس بغضب الأمير ، ونيتة فى
عقابه ففكر وكات له ما أراد فبدل حرف العين فى كلمة ضاع...
فاصبح البيت( لقد ضاء شعرى ببابكم كما
ضاء عقد على خالصة)...
وكأن في تغيير هذا الحرف نجاة لأبي نواس
من غضب الخليفة، و واحترام لمكانته ....
من منا لا يذكر حديث سيدنا محمد(ص)
لأبي ذر عندما طلب الولاية فعن أبي
ذرٍ رضي الله عنه، قال: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللّهِ أَلاَ تَسْتَعْمِلُنِي؟
قَالَ: فَضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَىَ
مَنْكِبِي، ثُمّ قَالَ: يَا أَبَا ذَرَ
إنّكَ ضَعِيفٌ وَإنّهَا أَمَانَةٌ، وَإنّهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ خِزْيٌ
وَنَدَامَةٌ، إلاّ مَنْ أَخَذَهَا بِحَقّهَا وَأَدّى الّذِي عَلَيْهِ فِيهَا،
ومعنى الضعف الوارد في الحديث هو العجز
عن القيام بوظائف الولاية ومهامها على أكمل وجه...
و قال النووي رحمه الله: هذا الحديث
أصل عظيم في اجتناب الولايات، لا سيما لمن كان فيه ضعف عن القيام بوظائف تلك
الولاية..
للأسف
أفرزت لنا الساحة السياسية خلال العقدين الماضيين عددا من هواة السياسة
وطلابِها ، فصعد نجم الكثير من رجال المال والاعمال، حتى تشكلت
لنا "حالة سياسية" غير معهودة،
مما جعل أوراق الممارسة السياسية تختلط على الكثيرين منا ....
هذا التحرش بالعمل السياسي من الهواة
الجدد افقدنا الكثير من مكانتنا على خارطة
المؤثرين في محيطنا العربي وحتى الدولي ، وفتح بابا لمن يسكنهم الحقد ويمارسون
التآمر على بلدنا الحبيب، للدخول والنفخ والهمز واللمز هنا وهناك....
إن الحرج السياسي الذي وقع و ما زال
يقع فيه الكثير من السياسيين لم يترك لهم فرصة لالتقاط الأنفاس ولا حتى لتغيير
الحروف والكلمات كما فعل أبي نواس، فباتوا
دائما في موقع الدفاع عن أنفسكم لا عن الوطن حتى سكنهم الصمت والصمت أبلغ
في كثير مما نحن فيه..
السياسة في الأصل، هي وظيفة إنسانية
نظيفة ومقدسة، ولا يمكن لأي إنسان أن ينجح في حياته إلا بممارستها ولكن بشرط أن
يكون أهل لها وأن يحقق للمجتمع ما يُعرف
في خدمة”الصالح العام‘‘بعيدا عن المصالح والغنائم والمكاسب..
كلنا يعلم إن السياسة منتج من منتجات
الحياة الاخرى فهي كالاقتصاد والهندسة
والطب تحتاج الى أهل المعرفة والخبرة ، وأن عنوان النجاح (لأي مجتمع يريد التقدم)،
هو أن يُدير شؤون الدولة ويتولى قيادتها “سياسي مثقف رصين ” يعرف ثقافات شعبه،
ويُدرك مكونات محيطه، وقادر على جمع الفرقاء حوله،والاهم إن وقع في أي خطأ أن
يتدارك ذلك الأمر قبل ان تُبصرْه سهام العدو فيعرف إلى أين تتجه وكيف يتعامل
معها..
ورحم الله عمر
نسيج وحدتنا حين قال مقولة الخالدة
( لست بالخب ولا الخب يخدعني) ..
هذا حال عمر فما بال حالنا اليوم ونحن نتعرض للمحن والرزايا والكذب والنفاق على مدار حياتنا الدنيوية، نعيش عالم
الخداع بكل الطقوس وفيه من صُراف الدهر ما أسقط
الكثير من الأقنعة..