للمثل حكاية طريفة تروى على لسان
جحا ، يقال أن جحا حمل نقوده ذات يوم وذهب إلى السوق ليشتري متاعا ، فقالت له زوجته قبل أن تخرج الى السوق : (قول إن راد الله)
وانطلق بعدها ، أي قول إن شاء الله وانطلق نحو السوق، فقال لها : ولماذا أقول
(ذلك)، فالمال في جيبتي والمتاع متوفر بالسوق بكثرة ) ، وعندها انطلق مسرعا
الى السوق ليشتري ما أراد، وعندما
دخل السوق سرق اللصوص صرة ماله ،وعاد
بعدها بساعات خائبا الى بيته..
وطرق الباب على استحياء، فسألت زوجته: (من على
الباب) ؟؟ فقال: (جوزك وان راد الله) ، فذهب قوله مثلا ، لمن لا يحتاط على الأمر
قبل وقوعه.
جوزك و أن راد الله ينطبق على الحالة
التي يعيشها الاردني كل عام وهو متمسمر خلف شاشات التلفاز، ويتابع مناقشات السادة
النواب لبنود الموازنة التي تتقدم بها الحكومات المتعاقبة ولم يرى بعدها طِحنًا
يخدم الوطن والمواطن الى يومنا هذا..
جوزك وأن راد الله هي الحالة التي يتحدث بها عدد
كبير من السادة النواب أمام الكاميرات وبصوت مرتفع، ولكنها بعيدا كل البعد في
مجملها عن بنود الموازنة ومعضلاتها وطرق الخلاص من عجزها او تقنينها على
الأقل....
جوزك وان راد الله أصبح موسما لرفع
الأصوات تحت القبة والصراخ أثناء النقاش لا أكثر، وبعدها ينفض السامر ويبتهج البعض
بالتركيز على القشور،
ويبقى للوطن عجز في الموازنة يتراكم كل عام،
وللمواطن ارتداد الموجات الصوتية العالقة تحت القبة ...
اليوم ما دُمنا نعيش على امتداد هذا الوطن ونعشق تُرابٍه ،فَلِماذا
لا ينبُتُ الوردُ فينا كباقي من كنا لهم مدرسة
من الدول، اليوم وبعيدا عن جلد
الذات دعونا نتحدث بلغة الواقع
فجميعا يعلم أن مشاكلنا الاقتصادية
كثيرة ، وربما بسببها سيطرت على صناع القرار هواجس وسكنت قلوبهم حالة من الاستسلام في ظل المشكلات
التي تتراكم عاما تلو الاخر بصورة أصبح لا
يمكن رتقها في مخيلتهم ، فالخرق يزداد
والمديونية تتراكم والحلول التقليدية أصبحت لا تتناغم مع الواقع وحجم التحديات الذي نعيش ، ولم يعد لسياسة
الاحتواء أي منفذ ليقال أمام الجميع...
ومنا هنا أصبح من موجبات سياسة رتق
الأزمات أن نفتح بابا شفافا مهما عنوانه
أن يتحلى المسؤول عن احتواء المشكلات
بالقوة والأمانة وبالحكمة والحياد وعدم المراوغة والأهم
أن يختار الوقت المناسب لمعالجتها ،وأن يختار لها الفريق المختص
القادر على خلق الحلول، وتذليل الصعاب والتعاطي مع التحديات بروح الفريق الواحد وما أكثر الخيرين في وطني أن قُدّر لهم القيام
بذلك....
كلنا نعلم أن جدار الأزمة الاقتصادية سميك ومتراكم
وأن مداواة جروحها الغائرة تحتاج
الى سنوات ، ولكن من الحكمة عدم ترك الأزمات تتفاقم، فهذا في حد ذاته فن لا يتقنه
إلا عقلاء الناس وقادتهم، فنحن نتحدث هنا
عن وطن يستحق منا الكثير...
ومن هنا رسالتي الى السادة النواب
والحكومة معا الوقوف عند مسؤولياتهما الوطنية والتخندق في صف الوطن أولا وأخيرا، والتخفيف
على المواطن قدر المستطاع، والتجاوب الفعلي مع كتب التكليف والإرشاد التي يرددها
جلالة الملك على مسامعهم كل عام..
صدقوني رصيد الميزانية السالب لم يعد
جزءاً مقبولاً لنا جميعا، بل أصبح ألم جاثم على صدر كل غيور.