بقلم: د. قصي الرحامنه
كيفما أدرنا النظر نرى أننا في بدء عهد يصح أن نسميه جديداً، لا من
حيث مخرجات التعديل الدستوري القائم فقط، بل من جهات كثيرة ستظهر في هذا المقال
وإن كانت هذه الجهات الكثيرة فروعا لتلك الجهة وهي حكومات داخل حكومات وانفرادية
القرارات وتشتيت وإلغاء الأدوار من ماضٍ ما زال على مقربة من حاضر متصدع.
لا يدخل المرء في هذه العاصمة مكاناً إلا ويجد حديثا عن السياسة
ورجالها وأي رجال وأي أبطال، وليس هذا بعجيب فإن أهلها يشاهدون الأحوال والأهوال
عن كثبٍ وكل يوم، وأشد الناس إرتياداً لوجوه الخلاص أقربهم من مشاهدة الخطر، وكيف
لا تُقلق الناس هنا الحوادث وهي متجلية كل يوم بشكل جديد أمام أعينهم.
أيها الشعب الأردني العظيم، إننا أمام تحدٍ كبير في مرحلةٍ حاسمة في
الدولة الأردنية أمام المشاكل المتراكمة على كاهلكم، وتلك هي النخبة السياسية لا
ترى إلا نفسها وصولاً إلى الكمال بإنفرادية القرارات والحصول على المكاسب وأما الشعب
فليذهب إلى الجحيم، إلى الفناء، وإلى التشرد ليستطيع تأمين قوت يومه ولانرى الا
الشعارات الجوفاء على ألسنتهم.
لست أدري إذا لم يكن حق المراقبة للأمة قوياً كما ينبغي فأي شيء تملكه
من حقوقها فسهولة الخلاص من الحكومة التي لم ترقى في نظر الامة لما علمه نوابها من
أحوالها إنما هي ناشئة عن مثل هذا الحق.
إنني لست أفهم يا أصحاب السعادة والمعالي ماذا تفسرون السياسية، ما هي
التربية السياسية من وجهة نظركم؟! ونحن كأردنيين نريد أن نوضح لكم أدواركم المشتتة
التي لا تجدون فيها إلا انفسكم ونقول، نحن الشعب الاردني إن دوركم في ابتغاء السياسة
هو للدفاع عن الوطن لا إنبطاحه أمام المساعدات المشروطة، وتحقيق الإصلاح المنشود
وهو إصلاح شؤون الامة لا رعاية الفاسدين، وألا نرى الانهيار في الوطن وعدم مراعاة
حقوق الشعب والابتعاد عن محاربة الظلم والطغيان من اجل الحرية والفكر والكرامة.
كثيرون يظنون أن الحال التي كانت قبل التعديلات الدستورية الاخيرة لا
تزال معروفة، أما أنا فأؤكد لكم أن تلك الحال قد اصبحت بسبب النسيان الذي هو في
الغالب مجهول، كما أنها لم تكن معروفة على وجهها عند كثيرين، لان كل أحد كان يعرف
قسما مما هو أشد تعلقا به، ولذلك كان جمع الناس لا يخلو من كثيرين راضين حقيقةً عن
مجموع الأحوال، وحاسبين ذلك هو الداخل في الامكان وخلاصة بذل الجهد، في حين أن
الاكثرين كانوا ناقمين ساخطين متفاقمين متبرمين مستغيثين.
إن المشاكل الداخلية والخارجية تتوالى علينا وأصحاب المعالي والسعادة
لا يفكرون الا بالتخلد على ذلك الكرسي وليفنى الشعب؛ إن الدولة بصورة عامة هي قوة
يجب أن تعتمد في جوهرها على العمل الديناميكي ولنتفرغ لمسائلنا الداخلية ونبذل كل
عنايتنا و درايتنا في إصلاح وطننا وإستنباط ثروتنا من ينابيعها و المحكوم عليها
بالتجمد بسبب الطمع الخارجي وإصلاح شؤون
شعبنا العظيم ، ولم يكن يخطر ببال كثيرين على ما كنا نرى أن الحوادث ستتلو الحوادث
، أما الذين كانوا متذكرين جيدا أن الأمم تسعد وتشقى في الرجال فقد كانوا يطيلون
التأمل في حقائق رجال العهد الجديد الذين ينتظر على يدهم الاصلاح الموعود ، وإننا
ما زلنا نخشى شيئا واحداً وهو ان يطول العهد بالمخاطر من غير ان يظهر في الامة
رجال فيهم من خواص لشفاء الامراض الاجتماعية والسياسية وتجديد القوة المادية
والمعنوية ، أما مقلدو المدنية والعلمانية اليوم فكثير منهم يظنون أن لا مطلع لأمثال
أولئك الرجال إلا من بين جدران المدارس الأجنبية ، لا تعدم طبيعة الأمم من حيث
مجموعها وجود أمثال اولئك الرجال ، وانما قد تعدم وسائل ظهورهم إما لقوة حجب
الغيوم الاجتماعية والسياسية المحتكرة على اصحاب السعادة والمعالي وتجار الاوطان
التي قد يستمر تكاثفها في الامة قرونا ، وإما لضعف السوائق التي من شأنها إخراج
اولئك الرجال بدء من إيثار الغموض الشخصي إلى إيثار السطوع بمواهب الحق .
أكثر الناس اليوم يقولون " ليس في الامة رجال" والحق الحق
إن ما نراه اليوم يؤكد ذلك وهو بصواب، ولكن الامة لم تعدم رجالاً يصلحون لإدارة
الامور بل هؤلاء في الامة موجودين وعما قريب سيكثرون وأصبحنا نراهم في كل ساحة وتجمع،
ولكن الرجال الذين تعوزهم الامة هم الذين يستطيعون أن يغيروا بإذن الله شيئا من
ترتيبها ويجعلوا محبتها للمجد والقوة والتكاتف أضعافا مضاعفة ويقفوا بها امام
الطامع المتربص وقفة الاسود التي لا يقتحم عرينها ولا يداس حماها.
ونحذر مما يشكوه الناس من قلة الصالحين لإدارة الأمور من تعيين غير
الصالحين من أهواء وجهالات متسلسلة ليس زوالها بالامر البعيد
وأختم بعد الإطالة: وها نحن اولاء ان نبين من هم رجال اليوم وهو وجود
رجال وطنيين اوفياء يصح ان يديروا الدولة أحسن مما تدار اليوم بسب وجود رجالات
يفتقدون كل مقومات الادارة والذي نفتقد إدارتهم ل نفخ روح القوة وتقليل المشكلات
الداخلية ثم الخارجية.
وأقول إذا كانت قافلة الدولة الاردنية قد خسرت بفقدها رواداً أبطالا
فإنها ستولد رجالا من بعدهم تسير في طريق الحرية والاستقلال السيادي والكرامة في
طريق الكفاح نحو غد أرني مشرق تجتمع فيه الامة على كلمة واحدة وتتحقق فيه آمالها
في السيادة والحرية.
حمى الله الأردن ملكاً هاشمياً عظيماً وشعباً أردنياً عريقاً