بقلم: د. قصي الرحامنة
الكل يوافقني الرأي بأن الكثرة في السياسة
والإجتماع قوة يلتفت اليها ويحسب حسابها.
والجميع يتحدث عن لجنة
الإصلاح التي وضعت لتحسين الاوضاع السياسية والإقتصادية والإجتماعية والتي تتكون
من 92 عضوا من كافة الإطياف وبذلك يجب أن نتطرق الى كيف تترجم الأفكار من خلال تلك
الفئة من المفكرون المتتبعون الذي لا سيما إن ربطوا الاحداث سيجدون ما يبحثون عنه
بشكل دقيق وهنا نتحدث قليلا عن دور لجنة الإصلاح التي هي شاغل المواطنين اليوم يجب
ان نتجه الى بيان لحقائق بتفصيل لما هو الأضر والأنفع في هذه الأبواب والمسالك
ليجتنب الأضر ويؤخذ بالأنفع على قدر الإمكان متذكرين الأيام الصعاب وصولا إلى
الاتحاد صيرورة الأشياء المتعددة وأمنية كل عاقل ، ولكن العقلاء يعلمون ان الأشياء
لا تنال بالتمني والاحلام والالفاظ والأسماء بل يتوقف تحصيلها على علوم وأعمال
وهمم وأزمان لأعلاء شأن الأردن العظيم.
إن كان لي أن أشير إلى أمراً أنه أصبح هنالك إدراك ذاتي لضرورة التوكيد في الوصول
إلى ردأة الواقع من حاضر متصدع وسحب الثقة
والعمل على المراقبة والضبط والإستيلاء على الحيز الإجتماعي وتأميمه.
ولعلكم جميعاً توافقنني الرأي ، أن المفكرون
المتتبعون في الاردن ليسوا بقليل وانما القليل آثارهم لقلة تعاونهم ، ولهذا الامر
أسباب كثيرة ومنها تفرقهم حسب الجماعات و تخالف مصادرعلومهم و تمايز قابليتهم و
تغاير إرادتهم و تفاوت أعمارهم و تباين مناهجهم و تدابر احزابهم . ويضاف على كل
ذلك حداثة عهدهم في التربية السياسية .
لست هنا في مجال تقييم ما يحدث من تداخلات
في الآونة الأخيرة ولكن أكثر ما يستدعي هو تخالف مصادر المعلومات . وبدا لي أن
عنصر التفكير والتتبع هو الذي عليه سلوك الشعب كلها في مسالك الحياة الإجتماعية
والسياسية وهو الذي يكون على يده تغير الشعب وتنقله في بروج السعادة أو الشقاء
وتقلبه في امواج السلامة والعفاء .
إن تقدم الفكر لدى الشعوب وعند بلوغنا فيه
درجات نضمن أن يكون هنالك إتقان للعدل وإعداد القوة هو الضامن لبقاء الحكومات ، قبل
أن يتفاهم المفكرون المتتبعون جيدا تبقى أعمالهم الفردية أو الحزبية بتراء بالنسبة
للدولة الأردنية وتظل أثارهم النافعة بالنسبة إلى ما ينتظر منهم ضئيلة وكان بسبب
تخالف مصادر علومهم وتعدد مصادر العلوم موجود لدينا أكثر مما هو عند غيرنا من
الدول وطبيعي أن بين هذه المأخذ شيئا من التباين ، وبسبب ذلك أصبحنا نجد الذين
يعدون في هذه الامة مفكرين لا يرى بعضهم بعضاً مذكورا ، وهي علة لا يستهان بها
ولكننا نأمل أن تزول بعد تدافع هو طبيعي في مثل هذه الاحوال ، على أن المفكرين في
الحقيقة ليسوا هم الذين درسوا وتلقوا العلم تقليداً بل هذا العنوان يجب أن لا يحلى
به إلا الذين لهم عقول سليمة مستعدة أن تزن الأمور وتنظر فيها جيدا ، ولذلك لدينا
من الرجاء لتفاهم المفكرين المتتبعين قدر كبير وأن أختلفت مصادر علومهم ، فإن
مصادر العلوم لا تؤثر فيهم متى أستقلوا وأنما قد تعوقهم قليلا عن بلوغهم ذلك
الاستقلال الذي نعينه.
ولا بد لي أشير الى امر توافقنني عليه
بخصوص القابلية فهو أمرعظيم ينساه الناس كثيرا فيكثر خطأهم في الأشخاص لانهم
ينظرون إليهم من جهات أخرى كلها لا شيء إذا لم تكن هنالك القابلية ، فمن يظهرون في
الامم مظهر العقلاء المفكرين والفضلاء المحصلين وهم ضعفاء من حيث القابلية لا يفيدون
الامم بشيء ذي بال ،والقابلية هي الإستعداد المخصوص في المدراك للإستفادة من رؤية
كل شيء وسماع كل أمر، هذه هي التي يعظم بها الفرق بين إثنين درسا في مدرسة واحدة
نحواً واحدأً من الدرس . وبتعاظم التمايز بين المفكرين من حيث القابلية تتعاظم
الصعوبة على النوابغ منهم في إيجاد النافع لكثرة ما يلقون من المعارضين ممن هم
بحسب الظاهر على شاكلتهم فضلا عن السواد والغوغاء ، وليس لهذه العلة علاج، إن
المتفقين أفكاراً تتغاير مقاصدهم أيضا ، فذلك مثلا يقصد خدمة العموم قصداً خالصاً
من كل شائبة ولا يبالي في سبيل ذلك بتعب نفسه ، وآخر يقصد خدمة العموم ضمن خدمته
لنفسه بحيث إذا رأى راحة نفسه معرضة في هذا السبيل للخطر آثر راحة نفسه ومع
تسلمينا ومعرفتنا بالعلاقة الشديدة التي بين الرأي والإرادة لا يستطيع أحد من
المدققين أن ينكر علينا أن للإرادات إستقلالا قد يقع التفارق به بين رأي المرء
وإرادته ، وإذا لاحظتم مثلي اننا لا نرى الشيوخ(المخضرمين) ولا الشباب يتنازلون عن
دعوى الميزة بسهولة فالشيوخ لا يفتأون يقولون نحن المحنكون ، والشباب لا يبرحون
ينادون نحن الاقوياء ، والقوة في الرأي والإرادة تتبع قوة العقل وهو في الشباب
أقوى منه في الشيوخ.
إن الامة قد تجد من الأفكار الآن كثيرا
وإنما يعوزها تمرن وتصحيح إرادات وتقوية عزائم ، ولا تستغني عن صبر و إنتظار وحسن
وقوف مع الحاضر الموجود ، وحسن طلب للآتي الموعود .