بقلم: الدكتور عثمان الطاهات
يشكل الجمهور ركنا اساسيا وجوهريا في
العملية الإعلامية، وتؤكد سوسيولوجيا الإعلام أن المادة الإعلامية لا تكتمل الا
بتلقيها، واذا كان المرسل يرسل من أجل تحقيق أهداف معينة فإن القارئ او المستمع او
المشاهد يقرأ ايضا من أجل تحقيق أهداف معينة، وليس بالضرورة أن يستخلص القارئ من
الرسالة الإعلامية المضمون الذي أراده المرسل .
إن عملية التعرض للمادة الإعلامية بالغة
الذاتية والخصوصية والتعقيد، وتقع غالبا تحت السيطرة الكاملة للمتلقى وضمن حدود
عالمه الداخلي، فإن الفرد يحمل معه شخصيته عندما يتعرض لرسالة إعلامية معينة والرسالة
الإعلامية لا تدخل الى ذهن وعواطف المتلقى وكأنها تدخل على ورقة بيضاء ، بل تدخل
لتواجه مجموعة من العوامل الوسيطية التي تلعب دورا هاما في عملية وصول الرسالة
وكيفية فهمها واستيعابها وطبيعة تأثيرها ، ويتلخص الهدف المركزي لفن التحرير
الصحفي في ضمان صياغة وتقديم رسالة إعلامية غير مفتوحة لقراءات متعددة ومتناقضة،
والعمل ما أمكن على ان يستخلص المتلقى من الرسالة تماما ما أراده المرسل وقصده
منها ،في ضوء هذه الحقائق تبرز أهمية المتلقي فردا كان ام جماعة ،وفي اوقات
الأزمات تتضاعف هذه الأهمية ،وذلك لان نجاح إعلام الازمة لا يتوقف فقط على التخطيط
والتنظيم والتنفيذ بل يتوقف ايضا على كيفية استقبال الجمهور لهذا الإعلام .
توصلت الابحاث الإعلامية الى نتائج مختلفة
واحيانا متناقضة حول طبيعة الجمهور المتلقي ونرى من المهم ابراز الاتجاهات الجديدة
في هذه الابحاث .
يتوارى مفهوم " المتلقي السلبي " او
" الجمهور السلبي " الذي يعرض نفسه بشكل سهل وعشوائي للرسائل الإعلامية
والذي يتأثر ايضا بهذه الرسائل وفق المضمون الذي حدده المرسل ، ومع ذلك ما زالت
تتواجد وبقوة مقولة ان جمهور وسائل الإعلام لا يمكن الا ان يكون سلبيا ولا يمكن ان
ينظر الجمهور الى وسائل الاتصال اساسا الا للترفيه والتسلية ، وتؤكد الابحاث أن
الناس المعاصرين يعيشون تحولا جذريا في مراكز اهتماماتهم وأن الاهتمامات الجدية
تتقلص ويعزون ذلك الى خطاب العولمة ومقتضياته ومتطلباته .
يبرز في المقابل مفهومان جديدان عن الجمهور
أولهما مفهوم " الجمهور المراوغ والعنيد " بمعنى الجمهور الذي اكتشف
طبيعة العملية الإعلامية وامتلك خبر اتصالية غنية ، وأصبح يؤكد شخصيته وقوة حضوره
في عملية التعرض ، وثانيهما " الجمهور النقدي " أو الفاعل أو الايجابي
وهو الى حد ما جمهور نوعي يبرمج تعرضه ويخطط له ويقف على أرضية فكرية ومعرفية صلبة
ويقف موقفا نقديا ازاء ما يتعرض له ، من المؤكد أن الوصول الى هذا الجمهور صعب ،
كما ان عملية اقناعه والتأثير عليه تزداد صعوبة وهذا ما يضع على الرسالة الإعلامية
ومنتجيها مهاما جديدة .
تبرز مقولة الاتصال كحوار وليس كمجرد عملية نقل
وذلك نظرا لأن العملية الإعلامية ، لم تعد مجرد نقل معلومات من مرسل الى مستقبل ،
بل أصبحت عملية حوارية وقد ترتب على ذلك تغيير نتائج تتعلق بكيفية التفكير والنظر
الى الجمهور أن معرفة هذه الحقائق والتصرف بما لا يتناقض معها أمر بالغ الأهمية
لإدارة الاعلام بشكل نجاح .