بقلم:
الدكتور عثمان الطاهات
كانت
المشاركة السياسية حتى العصر الحديث مقتصرة على الاثرياء والوجهاء من اصحاب المولد
النبيل اما الاغلبية الساحقة فكانت بمنأى عن المشاركة السياسية ، ومنذ مطلع عصر
النهضة وحتى القرن السابع عشر بدأ الاتجاه نحو مزيد من المشاركة السياسية، وبلغ
هذا الاتجاه ذروته اثناء الثورة الصناعية في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر .
ان
العوامل التي أسهمت في اتساع نطاق المشاركة السياسية تتمثل بالتحول من اقتصاد
الكفاف الى الاقتصاد النقدي ونمو المدن وازدياد التعليم، وظهور قوى اجتماعية
جديدة، ودفاع المثقفين عن قيم المساواة
والحرية وزيادة الصراع بين القيادات السياسية اضافة الى التدخل الحكومي المتزايد
في الشؤون الاجتماعية والاقتصادية والثقافة..الخ كلها عوامل أسهمت بشكل كبير في
زيادة نسبة المشاركة السياسية في مختلف المجتمعات.
ان
المشاركة التي تتم ضمن شروط قانونية
وسياسية سليمة وبناءة، غالبا ما تدفع نحو الاندماج داخل المجتمع وتسمح بتجاوز
العلاقة المتوترة التي يمكن أن تسود بين المواطن وصانعي القرار إلى علاقة مبنية
على الحوار والتواصل.
تسمح
المشاركة السياسية للأفراد بممارسة حقوقهم السياسية في جو سليم وعلني، في إطار من
الضوابط والقوانين المعمول بها، بما يحقق الاستقرار داخل المجتمع ويحول دون بروز
سلوكات منحرفة وعنيفة يمكن أن تقودها بعض القنوات التي تشتغل في السّر بصورة تهدّد
مقومات المجتمع وأمنه.
إن
المشاركة السياسية الفاعلة متى توافرت شروطها ومقوماتها، تنمي الشعور بالثقة
والأمل لدى المواطن، وترسخ نوعاً من التواصل البنّاء بين المواطن وصانعي القرار،
كما تعطي مدلولاً إيجابياً لأداء المؤسسات والقنوات السياسية والحزبية وتسمح
بتوفير مناخ من الاستقرار داخل المجتمع.
من
أهم صور المشاركة السياسية هو ممارسة انشطة تقليدية اوعادية ابرزها التصويت في
الانتخابات ومتابعة الامور السياسية والدخول مع الغير في مناقشات سياسية، وحضور
الندوات والمؤتمرات والاجتماعات العامة، والمشاركة في الحملات الانتخابية بالمال
او الدعاية والانضمام الى جماعات المصالح، والانخراط في الاحزاب السياسية،
والاتصال بالمسؤولين، والترشيخ للمناصب العامة، وتقلد المناصب السياسية .
تعد
الانتخابات آلية رئيسية ضمن الممارسة الديمقراطية، فهي تسمح باستشارة المواطنين
واستحضارهم في صناعة القرارات. وتختلف هذه الآلية من حيث أهميتها ونجاعتها من دولة
إلى أخرى، إذ تتحكم في مسارها طبيعة النظام السياسي القائم والثقافة السياسية
السائدة، علاوة على الضوابط القانونية التي تؤطرها ومدى فاعلية الأحزاب السياسية ومختلف
القنوات الوسيطة الأخرى.
إنها
تمثل إحدى أهم السبل الديمقراطية التي يتمكن عبرها المواطنون من اختيار ممثليهم في
مختلف المؤسسات ومراكز القرار السياسي محلياً ووطنياً. فهي أداة لتجديد النخب
السياسية وتحقيق التداول على السلطة، وتعزيز المشاركة السياسية، الأمر الذي يفرض
مرورها في أجواء سليمة وشفافة، تحترم إرادة ورغبة الناخبين.
لا
تخفى أهمية إجراء انتخابات تنافسية ونزيهة وشفافة تدعم احترام إرادة المواطنين في
البناء الديمقراطي وهو ما تؤكده الكثير من التجارب الديمقراطية الدولية الرائدة.
لكن الاعتماد على هذه الآلية كمعيار أو مؤشر أساسي ووحيد لتقييم أداء ووضعية
الأنظمة السياسية، ينطوي على قدر من المبالغة أحيانا، وبخاصة وأن الكثير من النظم
السياسية الشمولية، تعتمد انتخابات شكلية متحكّم في نتائجها مسبقا، عبر مختلف
الآليات السياسية والتقنية والقانونية، أو لاحقا عبر تزوير النتائج ونسب
المشاركة.. بما يفرغها من أهميتها ويجعلها أداة لإنتاج نفس النخب، أو آلية لإضفاء
الشرعية على القائد أو الحزب الواحد المهيمن.
إن
الرهان على الانتخاب كمدخل لتعزيز
المشاركة السياسية، وتطوير الممارسة الديمقراطية وتجاوز مظاهر الهيمنة والاستبداد،
يتطلب توافر مجموعة من الشروط، ترتكز بالأساس على وجود إرادة سياسية تدعم هذا
الخيار، واعتماد آليات قانونية وتقنية تسمح بمرور هذه الاستحقاقات في أجواء سليمة
وسلمية وشفافة، وقبول الأطراف المتنافسة بقواعد اللعبة المتاحة في هذا الشأن.
وبناء
على ما تقدم فإن على الهيئة المستقلة للانتخاب مطالبة بتوفير جو من المسؤولية
والشفافية والنزاهة قبل واثناء اجراء الانتخابات النيابية المقبلة ، مما يسهم في
إفرازها مجلس نيابي على قدر من الكفاءة والمصداقية، وعلى الهيئة ووسائل الاعلام
المتعددة تشجيع مشاركة المرأة والشباب في الترشح والتصويت في الانتخابات، خصوصا أن
المشاركة السياسية لهذه الفئة كانت متدنية بشكل عام في المراحل السابقة .
هناك
ارادة سياسية قوية وجادة ممثلة بتوجيهات جلالة الملك عبد الله الثاني للهيئة
المستقلة للانتخاب باجراء الانتخابات المقبلة وفق اعلى درجات النزاهة والشفافية،
من أجل انتخاب مجلس نيابي قوي يعبر عن جميع القوى السياسية والاجتماعية في المجتمع
الاردني لمواجهة التحديات بمختلف أشكالها، وتعزيز الممارسة الديمقراطية لتحقيق
التنمية المستدامة في المملكة .