تعد عملية التنشئة الصالحة للأفراد
من أقدم العمليات التي بذلت الدول والمجتمعات وتبذل الكثير من الجهد والوقت والمال
وصولا لما نسميه او يطلق عليه المواطنة الصالحة، وعلى الرغم من اختلاف الأدوات
والأساليب التي تتبعها هذه الدول للوصول الى هذه الغاية السامية، تبقى التربية
بشكل عام ومناهج الدراسات الاجتماعية على وجه الخصوص الوعاء الأنسب المتفق عليه
عند الكثير من الخبراء والمختصين في اكساب المتعلمين لقيم المواطنة الصالحة ومهارتها
المختلقة.
ولان التربية بمفهومها الشامل والواسع لا يمكن ان
تعمل بمفردها ولا ان تحقق أهدافها الا من خلال التشاركية وتكاملية الأدوار التي يمكن ان تقوم به جهات
ومؤسسات مختلفة، فان حاجة التربية الوطنية والمدنية الى الدور الذي يمكن ان يقوم
به الاعلام وبوسائله وادواته المختلفة يتعاظم يوما بعد يوم.
وعلى الرغم من ان دور وسائل الاعلام في عملية التربية
واعداد النشء كان ولا زال ومنذ عقود طويلة يشكل حالة جدلية وقف ويقف عندها
المفكرون والعلماء وصناع القرار، فان هناك شبه اتفاق او اجماع على أهمية وخطورة
الدور الذي تلعبه وسائل الاعلام في رسم الكثير من المعالم الرئيسة في شخصية
الانسان.
وتشكل هذه الحالة من الجدلية في النظر الى الدور
الذي يمكن ان تقدمه وسائل الاعلام او تتكامل فيه مع الدور الذي يمكن ينبغي ان تقوم
المؤسسات التعليمية المختلفة محورا هاما ورئيسا في الكثير من الجهود التي تبذلها
الدول والمجتمعات لتحقيق أهدافها وتطلعاتها في بناء الدولة والانسان الذي تريد.
ومثلما ان التربية عملية مقصودة وهادفة فان صناعة
الاعلام الحديث عملية مقصودة وهادفة أيضا، اذ يهدف كليهما الى التأثير في المتلق،
وبناء اتجاهات وقيم مرغوبة، ولكن الفرق الرئيس بينهما ان التربية عملية معروفة
الأهداف والوسائل وتخضع للمراقبة والمتابعة من جهات حكومية ومجتمعية كثيرة، بينما
تتحرر وسائل الاعلام (الرسمي والخاص) و (المحلي والدولي) وبدرجة أكبر من مثل هذه
القيود التي تشكل العنصر الأهم والابرز والتي تمثل وتشكل سمعة وهيبة ومصداقية
السلطة الإعلامية. إضافة الى ان وسائل الاعلام تقدم مادتها بطريقة مشوقة جاذبة
وتفشل المدرسة او تعجز المدرسة في مجاراة وسائل الاعلام.
وعلى الرغم من كل ما قد يقال حول الأدوار غير المرغوبة
او المقبولة لوسائل الاعلام والتحذيرات الكثيرة والصحيحة أحيانا بالأخطار التي قد
يواجهها الناس نتيجة تعرضهم لوسائل الاعلام على معتقداتهم وافكارهم وغسل ادمغتهم،
فان وسائل الاعلام استطاعت ان تعبر الكثير من الأفكار والمعتقدات والقيم
والاتجاهات وتؤثر في عقل ووجدان الناس عامة والشباب خاصة ايما تأثير.
هذه السطوة الإعلامية لوسائل الاعلام والتي
يقابلها انحسار وتراجع لدور المؤسسات التعليمية بشكل عام امام هذا المد الإعلامي
الكبير، ينبغي ان يقابله دور توعوي كبير أيضا ينبغي ان تقوم به مناهج وكتب
الدراسات الاجتماعية عامة ومناهج وكتب الربية الوطنية والمدنية بشكل خاص.
اما هذه الحالة تبرز الحاجة الى التربية
الإعلامية والتي يمكن ان تكسب المتعلمين مهارات كالتفكير الناقد وقراءة ما بين
السطور والتمييز بين الحقيقة والراي وتقبل الراي والراي الاخر واحترام التعددية في
إطار الوحدة، إضافة لتزويد الفرد بالمعرفة والمعلومات وتوجيه سلوكه وزيادة فهمه
لذاته وللأخرين وللأحداث من حوله.
* جامعة مؤتة - كلية التربية