مع اقتراب موعد تقديم الحكومة مشروع الموازنة العام للدولة الى مجلس النواب ينبغي تحديد الأولويات الوطنية بدقة وموضوعية، وبعيدا عن المطالبات الضاغطة ومحاولة استمالة اراء الناس والنواب الاكارم. التعليم العام والتعليم الخاص ينبغي اعطاءه الأولوية الأولى في مشروع الموازنة لأنه الأداة الأنسب والأكثر فاعلية لتحقيق متطلبات التنمية المستدامة وتحقيق اهداف الدولة والمجتمع.
وبنظرة الى واقع الجامعات في الوطن العربي عامة والأردن، خاصة يلحظ ان الهدف الأول لمعظم الجامعات التدريس، ومنح الشهادات للطلبة، وفي هذا اغفال لجوانب كثيرة من اهداف الجامعات ورسالتها. فالبحث العلمي مثلا في اغلب الدول يقل الدعم المقدم له عن 1% من الناتج المحلي الإجمالي، إذا ما استثنينا المملكة العربية السعودية. ويلحظ كذلك ان أكثر من 80% من موازنات الجامعات الأردنية، تصرف او تخصص لرواتب العاملين في هذه الجامعات، ويذهب ما تبقى من موازنة للبنى التحتية والخدمات الطلابية. كما وتعاني اغلب الجامعات الأردنية من ارتفاع المديونية، ما يعني بالضرورة عجزها عن تحقيق أهدافها او سعيها لتحقيق الحد الايسر والادنى من لأهداف، وبالأقل كلفة وباقل درجات الاتقان.
ان ضمان الجودة التي تسعى وزارة التعليم العالي والجامعات في الوصول اليه قد يكون أساسا جيدا لتحسين واقع حوكمة الجامعات، ومع ان الجودة في التعليم العالي مفهوم متعدد الابعاد، الان ان اغلب الجامعات تركز على تحقيق الأهداف المعلنة لها، والمتصلة بأعداد الطلبة واعداد المدرسين وخدمة المجتمع المحلي وغيرها من القضايا، وهي بذلك تغفل ابعادا أخرى من مفاهيم الجودة وبسبب العجز الدائم الذي تعاني منه اغلب الجامعات. وهنا نسأل، كيف لجامعة لا تستطيع توفير رواتب العاملين فيها ، ان تحقق جودة شاملة حقيقة؟
ان من المهم ان تكون البحوث ملائمة للحاجات الوطنية، لا بل ان تخرج من رحم الحاجات الوطنية والتطلعات المستقبلية للدولة الأردنية والمجتمع الأردني، والا فما قيمة ما يقدم من دعم حتى وان كان زهيدا للبحث العلمي ان لم يحقق ويلبي حاجات المجتمع والدولة على حد سواء؟
ولماذا لا يكون هناك مؤسسة وطنية خاصة معنية بدعم البحوث الوطنية وتحيد الاحتياجات البحثية الملحة بدقة وموضوعية وتشكيل فرق بحثية من مختلف الجامعات الأردنية تكون من مهامها دراسة هذه القضايا والبحث فيها، وتدعمها بسخاء، ومتابعة نتائج هذه الأبحاث وتطبيقها على ارض الواقع. صحيح ان صندوق دعم البحث العلمي يقوم ببعض هذه الأدوار ولكن دوره يحتاج كما اعتقد الى مراجعة شاملة.
ولا بد أيضا من الإشارة الى الدور الذي ينبغي ان يقوم به القطاع الخاص والصناعي في دعم البحث العلمي، فالقطاع الخاص له احتياجات كثيرة، ويمكن لمؤسسات التعليم العالي والجامعات ان تلعب دورا رئيسا في بحث هذه الاحتياجات وإيجاد حلول مناسبة لها، مقابل ان يقوم القطاع الخاص والصناعي بدعم هذه البحوث.
ان اغلب ما ينتحه أعضاء هيئة التدريس في الجامعات من أبحاث او انتاج علمي يكون بهدف الترقية، وهنا وكما اشرت فيمكن لوجود هيئة وطنية بحثية مستقلة ان تحقق الغايتين معا، غاية الترقية لأعضاء هيئة التدريس، وتلبية الاحتياجات الوطنية في الوقت ذاته. ويكفي ان نشير هنا ان اغلب الجامعات الأردنية تنخفض علاماتها على الجوانب المتصلة بالبحث العلمي، فيما يتعلق بمعايير البحث العلمي المتعلقة بتصنيف الجامعات والجودة.
ان دعم الجامعات والتعليم العالي ينبغي ان يكون أولوية للدولة الأردنية، التي نحلم بالوصول اليها، خاصة وان التعليم في الأردن يحظى بدعم كبير ومباشر من ملك البلاد (حفظه الله) ، وقد أشار في أكثر من مناسبة الى ضرورة الارتقاء بواقع التعليم العالي والجامعات الأردنية، وتقديم كل دعم لها حتى تحقق أهدافها ورسالتها.
* جامعة مؤتة- كلية التربية