لعل من أبسط معاني استقلال الجامعات، أن تكون الجامعات مستقلة في إدارة ذاتها استقلالا إداريا وماليا، وهذا بالطبع لا يتحصل الا إذا كانت الجامعات ناضجة وتحمل رسالة الوطن والجامعة، جامعة وطن لا جامعة افراد.
ان الناظر الى واقع جامعاتنا الأردنية الحكومية وعددها عشر جامعات يجد ان أغلب هذه الجامعات تعاني مشكلات مالية خانقة، وان جل اهتمام رئيسها يكون في تامين رواتب العاملين فيها نهاية كل شهر، مع ملاحظة ن عملية اختيار رئيس الجامعة او معايير المفاضلة المعلنة رسميا بين المتقدمين لشغل هذه الوظيفة تركز على الإنتاج العلمي والخبرة الاكاديمية، ويقدم كل متقدم لشغل رئاسة هذه الجامعة او تلك خططا وبرامج لإقناع لجان المقابلة بافضليته وأحقيته في تسلم إدارة الجامعة دون سواه.
ويظهر الواقع وبعد أشهر قليلة من تسلم هؤلاء الأساتذة لمواقعهم، انهم مكبلون ولا يستطيعون فعل شيء مما كانوا يحلموا به او مما قدموه للجان المقابلة قبل اختيارهم.
ان مما لا شك فيه ان استقلال الجامعات مطلب وطني ملح، يمكن ان يعيد للجامعات شيئا من دورها وبريقها الذي خفت بفعل تراجع أداء الجامعات الأردنية، والمستويات الاكاديمية المتميزة التي وصلت اليها العديد من الجامعات من حولنا، والتي كنا نعتقد اننا نتفوق او نتقدم عليها بكثير. ان تراجع اداء الجامعات وعجزها عن تحقيق أهدافها له اساب كثيرة، لعل في مقدمتها الضائقة المالية التي تمر بها الجامعات، خاصة مع تراجع الدعم المالي المقدم من الحكومة لدعم الجامعات، فكيف لجامعة تغرق في الدين ان تكون مستقلة؟
امام هذه الحالة الحزينة يبدوا ان استقلال الجامعات ضرب من الخيال او الجنون. ولا يزيد عن كونه استقلالا صوريا، لا يحمل في حقيقته أي معنى من معاني الاستقلال الذي قد يقود الجامعات فعلا الى استقلاليتها.
ان الجامعات ذراع التنمية الشاملة والمستدامة وعلى كافة الصعد، ودعمها وتأهيلها لتكون مستقلة سيحقق الكثير من التطور والتقدم للدولة الأردنية إذا ما تم وفق معايير اكاديمية وموضوعية. مطلوب من الحكومة ان تسد ديون الجامعات وان تدعمها ماليا، إذا ما ارادت فعلا ان تحقق استقلالية صادقة للجامعات. كما ان الحكومة مطالبة أيضا برفع يدها عن اختيار رئيس الجامعة ومجالس الأمناء، واي مواقع إدارية أخرى تتعلق بالجامعات، خاصة وان الكثير من رؤساء الجامعات يتم اختيارهم لاعتبارات جغرافية وتاريخية ، ويحولون الجامعة الى ملكيات خاصة بهم وبمحاسيبهم، ويتصرفون باستهتار واستقواء دون أي رقيب او حسيب.
ولعل من صور استقلال الجامعات والتي أتمنى ان نرى قريبا، ان تكون اداراتها منتخبة من قبل العاملين فيها، ففي كثير من دول العالم يتم الإعلان عن منصب رئيس الجامعة كما يتم الإعلان عن أي وظيفة اخرى، وتكون الكفاءة فيها، المعيار الأوحد دون النظر الى أي اعتبارات أخرى.
ولقد اثبتت الكثير من القيادات الأكاديمية في الأردن، تميزها واخلاصها وتفوقها وقدرتها على تقديم الانموذج المخلص القادر على نقل الجامعات من المحلية الى العالمية والى تحويل الجامعة الى أداة تنمية حقيقية. ان الجامعات الأردنية قادرة على إدارة نفسها بنفسها وفيها من القيادات المخلصة ما يمكن ان يحولها الى جامعات رائدة منتجة للمعارف، تخرج قادة ومفكرين وصناع قرار.
جامعة مؤتة - كلية التربية