د. محمد الدعمي
يعود الإجهار بالصراع المحتدم بين "أنصار
الحياة" و"أنصار الخيار" إلى ما سمي بـــ"سنوات الثورة
الجنسية" في العالم الغربي، إبان ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، إذ استقطب
الصراع الجمهور إلى فريقين متنافرين حتى هذه اللحظة (أحدهما يؤيد الحرية المطلقة،
بينما يعارض الآخر ذلك).
والمقصود بــ"أنصار الحياة"
فهم هؤلاء الذين يدعون إلى منع الإجهاض وتجريمه، بينما يكون المقصود بــ"أنصار
الخيار"، فهم هؤلاء الذين يمنحون المرأة حق أن تختار بين الاحتفاظ بجنينها أو
التخلص منه (إن حملت). وقد استعر الجدل بين الفريقين ثانية قبل بضعة أيام في ولاية
"الباما" Alabama،
إذ فاز المحافظون بتمرير قرار بتحريم وتجريم عمليات الإجهاض (حتى لو كان الجنين من
فعل اغتصاب، أو من اتصال بالمحارم) والمتوقع هو أن يرفع القرار أعلاه إلى أعلى
سلطة قضائية في الولايات المتحدة الأميركية؛ أي إلى "المحكمة العليا" Supreme Court كي يأخذ مداه عبر بقية
الولايات الأميركية الخمسين التي تسمح قوانين بعضها بذلك. أما في ألباما فقد كان
القرار النهائي هو أن لحظة التمكن من الإنصات إلى دقات قلب في أحشاء المرأة تعني
وجود حياة: لذا فقد حرم الإجهاض (باستثناء حالات تهديد حياة المرأة الحامل)، بل
ويحكم على الطبيب الذي يقوم بهذه العملية بالسجن لمدة 99 سنة.
وعلى نحو معاكس لهذا القرار الإنساني،
يستغرب المرء ما تناقلته وسائل الإعلام الأميركية من أنباء عن تظاهرات ومسيرات
(أغلبها نسوية) لمعارضة قرار الكونجرس في ولاية ألباما، مطالبة بإعادة "حقوق"
المرأة بالتخلص من جنينها حال شعورها بالحمل أو حتى بعده بأسابيع! بيد أن المتوقع
هو أن يفوز "أنصار الحياة" على "أنصار الخيار" في نهاية
المطاف، ذلك أن الرئيس دونالد ترامب قد وعد أثناء التنافسات الانتخابية التي حملته
إلى البيت الأبيض بتعيين قضاة المحكمة العليا من المحافظين، أي من هؤلاء المضادين
للسماح بالإجهاض، ومعنى ذلك هو أن هذا الجدل، إن دفع حتى المحكمة العليا، فإنه لا
بد أن يقود إلى فوز المحافظين من أنصار الحياة في استصدار قرار يحرم، بل ويجرم
عمليات الإجهاض ويفرض عقوبات صارمة قد توازي العقوبة التي أقرها كونجرس ولاية "ألباما"
أعلاه، أي 99 سنة سجن لمن يساعد أو يقوم بعملية إجهاض لامرأة حامل، حتى وإن كان
الجنين من عملية اغتصاب قسرية، أو من اتصال بالمحارم!