في مقالتي السابقة عن “الاستشراق” المنشورة على صفحة “الرأي” في (الوطن) الغرّاء قبل بضعة أيام، حاولت تحديد أهم المحطات التي اتخذتها أذكى العقول الغربية دوافع وإرهاصات لرصد وتحليل الشرق العربي الإسلامي. وإذا كانت هذه الدوافع تتجسد في أهم اهتمامات الكتاب والمفكرين الغربيين، فإن علينا أن لا نغفل أهمية (ألف ليلة وليلة)، ذلك الكتاب الذي تركتا حكاياته ترك آثارا سلبية يصعب محوها من العقل الغربي عبر القرون، متواصلة حتى اللحظة. لذا توجب أن نلاحظ بأن اللذة التي منحتها حكايات (ألف ليلة وليلة)، الأكثر شيوعا هناك بعنوان The Arabian Nights للعديد من الناثرين الخياليين والشعراء، دوافع للارتجاع إلى شرقنا العربي الإسلامي الذي لم يزل يئن ألما من عشرات المفاهيم الخاطئة التي أرسى “الاستشراق الأدبي” أسسها، ربما دون قصد، مذاك حتى اللحظة.
إن أخطر ما يمكن أن تكون (الليالي العربية)، التي أطلق عليها عنوان (الليالي) عبر بقية المقالة اختصارا، قد تركته في أعماق العقل والخيال المستشرق، إنما يكمن في اتخاذ حكاياتها وثائق اجتماعية/اقتصادية/سياسية. وهي حال مؤسفة، لأنها كانت المسؤولة في أعداد كبيرة من الحالات عن الأفكار الخاطئة والمفاهيم النمطية المسبقة التي شوهت عالمنا وأناسنا، ولم تزل، درجة أن من تقول له من الغربيين بأنك من “بغداد”، على سبيل المثال، يذهب خياله بعيدا ليتوقع بأنك قد وصلت حواضر الغربي على “بساط ريح” أو بأنك لم تزل تمتطي جملا عند الحاجة للانتقال في دواخل “مدينة هارون الرشيد”. أما بعد إضافة عنصر “البترودولار” للحياة العربية، فقد زاد التشويه للصورة النمطية المعتمدة في العالم الغربي عن عالمنا المأهول بالغرائب والعجائب، فإن عليك أن لا تنبهر إذا ما سألك الإنسان الغربي: “كم تمتلك من الزوجات؟” وهل تحافظ على بعض الإماء ممن يخدمنك داخل البيت، أو بعد حلول الظلام!
هذه نتائج منتخبة من أخطر أسباب تشويه الحياة العربية الإسلامية، إذ عد أوائل المهتمين بـ(الليالي) هذه الحكايات وثائق اجتماعية، بل بدقة بصرية، تمنحك الصور الفوتوغرافية شديدة الدقة في تمثيل حياة العرب في الصحراء أو على أطرافها، إن كنت إنسانا مدينيا.
وبالرغم من أن هناك من الغربيين من تنبه إلى هذا الخطأ المجحف، درجة التنويه بأن (الليالي) تقدم لك حياة القلة، وليس حياة الأكثرية من الشرقيين، بدليل اعتمادها في القصة التأطيرية الأساس على شخصية ملك خيالي اسمه “شهريار” وشخصية سميرته الحسناء، المعروفة بــ”شهرزاد” التي “لعبته” بسحر الحكايات كل ليلة حتى تمكنت من النجاة بحياتها من تقلبات مزاج شهريار، ذلك الرجل الدموي. أما مادة الحكايات، فهي تعج بالشخصيات الطريفة والزئبقية اللعوبة التي وقع الخيال الغربي في حبها، من نوع “علاء الدين” و”الشاطر حسن” و”كهرمانة”، وهي شخوص مكثت في قعر ذلك العقل الغربي منذ القرن السابع عشر الميلادي، حتى اللحظة، للأسف.
لذا، لا تعجب من إنسان غربي يصل مسقط أو البصرة، القاهرة أو دمشق، ليتوقع أن يعثر على “مصباح سحري” يمكن بواسطته تحقيق أحلامه: هذا هو ما يدور في سريرته، وهو يتجول في أسواقنا لعله يعثر على “مملكة” من خلال عثوره على “خاتم علاء الدين” دفينا يمكن بواسطته تحضير كل ما يتمناه الإنسان.