يمكن لي أن أقسم الجامعات العربية على سلتين مختلفتين: (1) الجامعات المغَرقَة بالمال (أو الجامعات الغنية)؛ (2) الجامعات ذات العوز المالي (أو الجامعات الفقيرة). في السلة الأولى، نجد الجامعات العربية الموجودة والعاملة في الدول العربية ذات الوفورات المالية الفائضة، من نوع الدول المصدرة للنفط (عدا العراق)؛ أما في السلة الثانية، فإنك تجد الجامعات العربية العاملة في الدول العربية غير الغنية، وهي جامعات تعاني من شحة في الموارد، لا تكفي لتمويل احتياجاتها الأساس، ولا تكفي للتوسع الأفقي والعمودي. وعلى عكس هذه الحال الأخيرة، قادت الوفورات والفوائض المالية في العديد من الدول الغنية إلى اللجوء إلى استيراد “جامعات مسلفنة” كاملة بعدتها وكوادرها من دول العالم الغربي، أي الدول التي اعتدنا على إرسال بعثاتنا العلمية إليها، للدراسة والبحث في جامعاتها.
ولحسن حظ العالم العربي المتنوع، والذي تتفاوت موارد دوله المالية حسب المواقع الجغرافية والموارد الطبيعية، تبقى المؤسسات الأكاديمية مهمة في أعين الدولة، لذا هي وتستحق الرعاية والعناية من قبلها (فقيرة كانت أم غنية) وهنا، توجب على القيادات الجامعية اتباع شيء من فضائل “الاشتراكية” الجامعية، بمعنى تبادل الخبرات والتعاون المالي والاقتصادي، كي لا تكبوا الجامعات الفقيرة فتتلاشى ثم تموت. والملاحظ في هذا السياق، هو أن الجامعات الفقيرة تكمن على كتل سكانية مهولة الحجم وسريعة التضخم، الأمر الذي يقود إلى عجزها عن استيعاب الأعداد المهولة من خريجي الثانويات والإعداديات الراغبين في إكمال دراساتهم الجامعية. أما أغلب “الجامعات الغنية”، فغالبا ما تتاح فرص تقدمها اعتمادا على ضعف الطلب على إكمال الدراسات الأولية والعليا، بسبب ميل الطلاب إلى إكمال الحد الأدنى المطلوب من الدراسة(الثانوية مثلا) الكافي للحصول على تعيين للعمل في الدوائر ذات الحاجة، بين القطاعين العام والخاص، وهكذا. زد على ذلك، أن الجامعات الفقيرة تحتفظ بعقول مؤهلة تأهيلا رفيعا يؤهلها لمناقلة خدماتها بين الجامعات العربية على طريق التعاون والتوأمة.
لذا، نلاحظ أن ما يحصل اليوم هو أن الجامعات الغنية راحت تستعين بالجامعات الفقيرة لتستعير الأساتذة الأجانب، المؤهلين منها، زيادة على استيراد الغربيين من الأساتذة الأجانب، خضوعا متعاميا لضغط “عقدة الخواجة”، كما يقال. لذا، دائما ما أضطر إلى الرجوع نحو ما قدمه ما يسمى بـ”اتحاد الجامعات العربية” في هذا المضمار الحيوي، محاولا، أولا، البحث عن دور له يبرر وجوده ويبرر دفع مرتبات لموظفيه وإدارييه، وثانيا البحث عن وسائل تمويله وارتباطاته الإدارية. هل هو تابع للجامعة العربية؟ أم ماذا؟ والحق، أقول بأن الغالبية العظمى من مواطني عالمنا العربي الفقير للعلم والأكثر فقرا للبحث العلمي الرصين، لا تعرف شيئا عن “الاتحاد” أعلاه، بل هي لا تعلم حتى بوجوده وبموقع مقره (في الشقيقة الأردن)! أليست هذه من غرائب وعجائب ظواهر التخلف في عالمنا العربي المسكين، ذلك العالم الذي يشاهد التراجع الثقافي والفكري حيا على الشاشة، وهو يجري خاطفا بسرعة تفوق سرعة الضوء، دون القدرة على مد يد العون والإنقاذ، لوقف التراجع عند حدٍّ ما على أقل تقدير.
رسالتي في هذا السياق موجهة إلى أولي الأمر (مع الاحترام) المشغولين بالأدنى أهمية مقارنة بالحاجة القصوى للاهتمام بالمؤسسات الأكاديمية التي يرتهن مستقبل بلدانهم بوجودها وبتطورها.