بقلم: د هايل ودعان الدعجة
ما ان حطت طائرة جلالة الملك عبد الله الثاني ارض المطار ، الا وبدأ التعاطي الملكي الحكيم مع تداعيات أزمة السفارة الإسرائيلية التي تركت جرحا غائرا في الوجدان الأردني جراء التقاعس الرسمي في التعامل مع ملف هذه الازمة ، عندما ترأس جلالته اجتماعا لمجلس السياسات الوطني وقام بتقديم واجب العزاء لعشيرتي الجواودة والحمارنة ، وبدا ان الجو العام الاردني اخذ يميل الى الارتياح على وقع هذا التعاطي الملكي الذي اشر الى حنكة جلالته في إدارة هذا الملف كغيره من الملفات الهامة والحساسة ، بصورة ارست حالة من الاطمئنان لدى الشارع الاردني لجهة الموقف الملكي الحازم و(الغاضب ) في مواجهة الغطرسة الاسرائيلية ، التي جاءت لتؤكد على طبيعة العقلية الإسرائيلية التي تجنح الى العنف والقتل والتطرف ، حتى وان تم ذلك في اطار العمل الدبلوماسي والمنظومة الدبلوماسية التي يفترض انها تعكس الجانب المضيء والايجابي في العلاقات بين الدول ، الا ان عقلية العنف المتجذرة في الواقع الإسرائيلي تأبى الا وان تعبر عن مكنوناتها العدائية إن لجهة الجريمة التي اقترفها القاتل الإسرائيلي المجرم في السفارة الإسرائيلية في عمان بحق مواطنين أردنيين ام لجهة الطريقة التي استقبله بها رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو كبطل مغوار ادى (مهمتة الدبلوماسية !! ) على أكمل وجه، حتى حظي بهذا الاستقبال المشرف من قبل رئيسة المسؤول عن اثارة الاعتداءات والجرائم ، باسلوب لا يخلو من الخبث في احراج الاردن وتأليب الراي العام على الموقف الرسمي الذي لم يحسن التصرف مع حادثة السفارة . ليأتي الرد الملكي حاسما وحازما ورافضا لهذا التصرف الإسرائيلي المستفز ، الذي يقود الى تفجير الغضب وزعزعة الامن والاستقرار وتغذية التطرف في المنطقة ، مطالبا نتنياهو بالالتزام بمسؤولياته واتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة لضمان محاكمة القاتل وتحقيق العدالة ، بدلا من الاستعراض السياسي في التعامل مع هذه الجريمة لتحقيق مكاسب سياسية وشخصية ، واضعا التعاطي الإسرائيلي مع هذه الحادثة وحادثة مقتل القاضي رائد زعيتر وغيرها من القضايا بصورة تضمن تحقيق العدالة بكفة ، والعلاقات الأردنية مع الكيان الإسرائيلي في كفة أخرى . وهو ما سبق للاردن ان وضع إسرائيل بصورته عندما اعتبر ان كل الخيارات مفتوحة امامه ، بما في ذلك إعادة النظر بالعلاقات معها إن لم تمنع الاعتداءات ضد الأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية في القدس ، انطلاقا من الوصاية الهاشمية والدور الأردني الديني والتاريخي على هذه الأماكن ، وتحديدا عندما أغلقت إسرائيل المسجد الأقصى بالحواجز الاسمنتية امام المصلين العام الماضي ، لتعود وتفتحه امام المصلين ومن مختلف الاعمار امام الإصرار الملكي على ذلك بعد ان أشار جلالة الملك ان مثل هذه التصرفات الاستفزازية قد تنعكس سلبيا على العلاقات مع إسرائيل وتضر بها . كذلك فقد شدد جلالة الملك على ان الأردن دولة قانون تحترم القانون الدولي والأعراف الدبلوماسية التي تضمن حقوقنا وحقوق مواطنينا .
مع التأكيد هنا بان حادثة السفارة وان كانت محكومة بمرجعية دبلوماسية دولية ممثلة باتفاقية فيينا لعام 1961 للعلاقات الدبلوماسية ، كما أشار رئيس النيابة العامة عندما ذكر ، بان القاتل من خلال التحقيق يتمتع بالحصانة الدبلوماسية والقضائية ، التي هي محض حصانة إجرائية لا تعفيه من المحاكمة امام محاكم دولته ، طبقا للمادة 31 من اتفاقية فيينا ، لافتا بان المدعي العام قرر عدم الاختصاص وفقا لنص المادة 11 من قانون العقوبات الأردني . الا ان الجهات الرسمية لم تحسن التعامل مع هذه الجزئية الهامة في ظل حالة الارباك التي سادت المشهد الوطني ، وبدا ان التخبط هو سيد الموقف بصورة انعكست سلبيا على المزاج العام الأردني . ربما لان الكثير من الحكومات الأردنية اعتادت في القضايا والاحداث الكبرى والحساسة كحادثة السفارة ، انتظار المواقف والتصريحات الملكية والمراهنة والبناء عليها للخروج من الموقف .