بقلم: د. هايل ودعان الدعجة
قد يكون من المستغرب من شخصية تقلدت
مناصب متقدمة وهامة في الدولة ، ان تطرح افكارا حول قضايا وملفات محسومة اردنيا
ومرفوضة وغير قابلة للنقاش ، كما هو الحال بما جاء في مقال الدكتور جواد العناني
رئيس الديوان الملكي ونائب رئيس الوزراء والوزير الاسبق ، الذي طالب فيه بكونفدرالية
بين الاردن وفلسطين ، والذي يفترض انه وبحكم مساره المناصبي بصورة موقف الاردن
الرافض وبقوة لهذا الطرح الذي يتهدد امنه واستقراره وهويته الوطنيه ، ويسعى
لاستدراجه ليكون طرفا في ترتيبات حل القضية الفلسطينية على حسابه وتحويل الصراع من
كونه صراعا فلسطينيا اسرائيليا الى صراع اردني فلسطيني ، بتكليفه بالدور الامني
والحدودي ونقل الهاجس الديمغرافي اليه . وهو الطرح الذي يتقاطع مع مصالح الكيان
الاسرائيلي ويخدم مشروعه التوسعي الاستعماري على حساب المشروع الوطني الفلسطيني
وحقوق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير واقامة دولته المستقلة . اضافة الى تقاطع
طلب العناني مع صفقة القرن التي طرحها الرئيس الاميركي السابق دونالد ترمب الذي
يسعى من خلالها الى ضرب المشروع الوطني الفلسطيني وتصفية القضية الفلسطينية وشطبها
، عندما قام باتخاذ اجراءات تصب في تحقيق هذا الهدف ، حيث اعلن الاعتراف بالقدس
عاصمة لاسرائيل ، وبنقل سفارة بلاده اليها وحاول شطب ملف اللاجئين الفلسطينيين
والغاء حق العودة وتصفية الاونروا ووقف المساعدات المالية الاميركية عنها . رافق
ذلك دعمه لاقرار قانون يهودية اسرائيل العنصري ، وتكثيف الاستيطان وعمليات التهويد
وتدشين مخطط القدس الكبرى لتوسيع حدودها ، وضم اراضي الضفة الغربية الى السيادة
الاسرائيلية ، مما يمكن ادراجه تحت مسمى صفقة القرن ايضا . الامر الذي ينطبق على
الحديث عن موضوع الكونفدرالية الذي اثاره العناني ، والذي يندرج في هذا السياق ،
بوصفه احد ادوات الصفقة ومخرجاتها التي تستهدف انهاء ملف القضية الفلسطينية على
حساب الاردن ، الذي يرفض هذا الطرح بشدة ، ويرى انه لا بديل عن حل الدولتين ،
واقامة الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران ١٩٦٧ وفقا لقرارات الشرعية
الدولية ومبادرة السلام العربية ، وعاصمتها القدس
.
وهو الموقف الاردني الثابت والراسخ
الذي أكد عليه جلالة الملك في احدى لقاءاته
بالمتقاعدين العسكريين والمحاربين القدامى ، معتبرا ان الكونفدرالية خط
احمر بالنسبة الى الاردن ، حيث تساءل مستهجنا ومستغربا هذا الطرح .. كونفدرالية مع
مين ؟ . خاصة وان الكونفدرالية لا يمكن لها ان تتم الا بين دول مستقلة وذات سيادة
. الامر الذي لا يتوفر في الحالة الفلسطينية، التي يراد التعامل معها على حساب امن
الاردن وهويته ومصالحه من خلال تغيير وضعه الديمغرافي والجغرافي ، واقحامه وتوريطه
بادوار وظيفية امنية ومدنية ، لتكريس صيغة الخيار الاردني او التوطين او الوطن
البديل ، الذي سيصب في صالح الكيان الاسرائيلي ومن بوابة حل القضية الفلسطينية على
حساب الاردن ، عبر نقل الرعاية الامنية على الضفة الغربية دون القدس له .
دون ان نغفل ان المطالبة بالكونفدرالية
الان ، تمثل طعنة للمقاومة الفلسطينية التي امكنها احداث تحولا مفصليا في معادلة
الصراع الفلسطيني الاسرائيلي والدفع به الى الواجهة العالمية على خلفية احداث غزة
. وما تبع ذلك من تظاهرات احتجاجية مليونية عالمية ضد المجازر والابادة الجماعية
التي يرتكبها الكيان الاسرائيلي ، رافقها تغير مواقف العديد من دول العالم من هذا
الصراع لصالح الفلسطينيين ومطالبتها بحقوقهم المشروعة في تقرير المصير واقامة
دولتهم المستقلة على اساس حل الدولتين ، ودعم عضوية فلسطين في الامم المتحدة ،
واعتراف بعض دول العالم بها . في اشارة الى التحول الكبير الذي طرأ على نظرة
العالم وموقفه من القضية الفلسطينية بصورة عززت من دعمه وتعاطفه مع الفلسطينيين
وتأكيده على حقوقهم العادلة والمشروعة .