كلية الـ تمريض في جامعة جرش تنظم يوم عمل تطوعي في محافظة جرش وزير العمل: إعلان الحد الأدنى للأجور خلال 10 أيام مادبا .. ازمة سير خانقة بسبب اعتصام لأصحاب المركبات العمومية الاردن يدين بأشد العبارات جريمة قصف "إسرائيل" حياً سكنياً في بيت لاهيا 51647 طالباً وافداً في مؤسسات التعليم العالي الأردنية ارتفاع أسعار الذهب في السوق المحلية نصف دينار وفاتان و 3 اصابات بحادث سير بين 4 مركبات أسفل جسر أبو علندا - فيديو الحكومة تقرُّ مشروع قانون موازنة عامَّة للعام 2025 تتسم بالواقعية وتحفيز النمو "الصناعة والتجارة” تطرح عطاء لشراء قمح وشعير ترشيح العرموطي لرئاسة النواب خدمّ الصفدي - وتحالفات الاحزاب الوسطية سحبت البساط من الاسلاميين العدوان على غزة يدخل يومه 412 والاحتلال يوصل ارتكاب المجازر جلسة تعريفية بالبرنامج الوطني للتشغيل في غرفة تجارة الزرقاء ناجحون في الامتحان التنافسي - سماء 3 وفيات و8 اصابات بحوادث على طرق خارجية وداخلية 66 شهيدا و100 جريح في قصف الاحتلال مربعا سكنيا شمال غزة

القسم : بوابة الحقيقة
قارئة الكف
نشر بتاريخ : 5/5/2017 10:49:19 PM
د. عودة أبو درويش
 
بقلم: د. عودة أبو درويش

اقترب رجل تجاوز الخمسين من عمره من الحافلة المتوسطة في مجمع سفريات الجنوب ، بعد أن أمضى يوما متعبا في عمان ، متنقلا من مبنى حكومي الى آخر بقصد انهاء الاجراءات المتعلقة بقرار احالته على التقاعد بناء على طلبه . فهو لم يصل الى الستين من عمره بعد ، ولكنه مل من العمل الذي يعيده كل يوم بنفس الترتيب على مدار ثلاثين سنة ، قضى أكثر من نصفها في غرفة واحدة بعد أن ترقى الى وظيفة رئيس قسم . وكان عليه أن يراجع بعض الدوائر الحكومية في عمان العاصمة من أجل أن يحصل على الراتب التقاعدي ، الذي سيكون على الغالب نصف المبلغ الذي كان يتقاضاه عندما كان في الوظيفة .

كان رجل يعمل على جذب انتباه المسافرين ، كث اللحية منتفخ الكرش ، ينادي بأعلى صوته ، راكب واحد الى معان ويكررها بلا مبالاة حتّى ولو لم يكن في الباص أحد . صعد الموظف المتقاعد بتثاقل الى الباص الذي كان يجلس على بعض كراسيه اربعة شباب وفتاتان و عائلة ، رجل وزوجته وولداهما . ردوا بتمتمة على سلامه عليهم من دون ان يعيروه أدنى اهتمام  . لم يمتعض وجلس على أقرب كرسي الى الباب . امتلأت الحافلة وسارت ببطء وسط الزحام الى أن وصلت الى الخط الصحراوي الممل . أصبح جو الباص معبّأ بالدخان الكثيف من سجائر الشبان الثلاثة الذين كانوا يحاولون لفت انتباه الفتاتين من دون جدوى . رفع السائق صوت اسطوانة المسجل ، التي يتحدث فيها داعية شاب عن الموت وأهوال يوم القيامة .

أخرج الرجل من كيس يحمله صحيفة اليوم ، وأخذ يقرأ فيها عسى أن يمر الوقت سريعا . وصل الباص الى القطرانة . نزل الركاب جميعا وكان عليه أن يكمل فقرة في خبر يتحدث عن عدالة توزيع مكتسبات الدولة على المحافظات . سمع طرقا خفيفا على نافذة الباص فالتفت . رأى فتاتان غجريتان رائعتا الجمال . عينان واسعتان وفم دقيق ، ووجه لا مبال بلا مساحيق ولباس ملون مزركش وشال يغطّي نصف الرأس واليد اليسرى على الخصر ، لو أنهما اشتركتا في مسابقة ملكة جمال روسيا لفازتا . نادت الكبرى والتي لم تتعدى العشرين من عمرها عليه ، يا شاب أتريد أن أقرأ لك الكف . تلفّت حوله . لم يكن في الباص أحد غيره . لا بد أنها تقصده مع أنه تخطى مرحلة الشباب من زمن بعيد .  بلحظة كانت أمامه متكئة على باب الباص . أمسكت يده واستسلم هو لها . نظرت بتمعن في باطن كفّه وقالت ، أنا ماهرة في قراءة الكف ، فقد علمتني أمهر الجدّات ذلك .

أنت تتجه الى مكان بعيد ، حياتك رتيبة ومملة ، ليس فيها ما يشجعك على الاستمرار ، وفيها الكثير من الأسرار . ولكن في خطوط يدك أرى أياما مفرحة ونقودا كثيرة ورغد في العيش وراحة بال . اطمئن المستقبل  يخبأ لك نجاح تلو نجاح ، ومزيدا من الأفراح ، وستتقدم في العمل ، ربما تصبح مديرا أو وزيرا ، لا بل  سفيرا ، لأني أرى من يدك أنك ستسافر كثيرا . ولكن هناك من يضمر شيئا لك بالخفاء ، ربما كتب لك سحرا وخبّأه في بئر عميقة . سأعطيك احجارا قرأت عليها ، بعد أن تدفع لي أجرة تعبي . وما عليك الّا أن تقف على مرتفع وترميها بعد أن تستعيذ بالله من الشيطان ومن الانسان الذي يذمر لك شرا .

تركت الغجرية يد المتقاعد ، فانتبه وابتسم لأنّه يعلم أن الايّام الجميلة ذهبت الى غير رجعة وهو من ذوي الدخل المحدود ، والأسعار ترتفع بشكل جنوني ، فمن أين رغد العيش وراحة البال ، ولن يصبح لا وزيرا ولا سفيرا فهو لا يحب السفر أبدا . ومن أجل ماذا  يكتب له أحدهم سحرا ويتعب نفسه ليخبّأه في بئر عميقة . ثمّ أنه دفع آخر ما تبقّى لديه من النقود أجرة للباص الذي سينقله الى الجنوب . نظرت الفتاة مباشرة في عينيه ولم يقل شيئا . فهمت وأشاحت بيدها . غادرت مع صديقتها الى حافلة أخرى بلا مبالاة .

وضّع نظّارة القراءة على عينيه من جديد ، وقرأ في صفحة الأبراج ، أنّ السعادة ستغمره اليوم لسبب ما . أغمض عينيه سعيدا بعد أن انطلقت الحافلة على الخط الصحراوي الممل ، وعاد الداعية بصوت مرتفع يتحدّث عن الموت ، والشبان الثلاثة يدخنّون بشراهة والفتاتين تتحدثان عن فرح زميلتهما القريب بحسرة ، والأم تنهي أولادها عن الاتكاء على النافذة .

جميع الحقوق محفوظة © الحقيقة الدولية للدراسات والبحوث 2005-2023