أحبّتي الطلبة . أعانكم الله وأعانني على هذه الأيّام العصيبة، التي أبعدت المدرسين عن اللقاء مع طلبتهم . أنا من الذين لا يجيدون اعطاء الدروس عن بعد، ليس لأنّي لا أستطيع، ولكن لانّي ان لم احس بوجود طلبتي امام عيني، يستمعون اليّ وأنا أشرح لهم شيئا جديدا، فانّي سأشعر بغربة المكان، لن يكون شعوري أبدا مثل الوقوف في قاعة المحاضرة، وجلوسكم على المقاعد والاستماع والمشاركة، وفتح الكتب والكراسات، فان له احساس آخر .
لعن الله هذا الذي يسمّونه الكورونا، الذي أجبرني وأجبركم على التعلّم عن بعد . أجبرنا على الجلوس خلف شاشات صمّاء لا تحس، لنتّصل مع بعضنا من خلال شبكة، لن تعطينا الاحساس بدفء القاعة، ولا بالتواصل المباشر . يحاول المدرّس من خلالها أن يشرح المادة الدراسية، فتسألوه عن بعد، ويجيبكم أيضا عن بعد . كيف للإحساس أن يكون متبادلا عن بعد . كيف لي أن أنّبه أحدكم بعدم الحديث مع جاره في المقعد، فان لم يكف عن ذلك غيّرت مكانه .وكيف سأطلب ممن ينظر في هاتفه ويقرأ أخبارا غير مهمة أن يغلقه .
لا بدّ أنّكم تشتاقون الى الحافلة الكبيرة التي تنقلكم في الصباح الباكر، وأغلبكم يتثاءب من قلّة النوم، فيقابلكم حارس البوابة سائلا عن الهوية الجامعيّة التي ينساها أغلبكم في البيت . ثمّ تهرولون للوصول الى قاعة المحاضرة على وقتها حتّى لا يتم منعكم من الدخول . فتكونوا من الغائبين، وان تراكم الغياب، اضطررتم لرجاء المدرّس أن لا يحرمكم من المادة، فان أبى، ركضتم الى رئيس القسم، وعلى محيّاكم مزيج من الخوف والرجاء، ليتوسط لكم عند المدرّس، فيقول أن هذه تعليمات الدراسة في الجامعة، والتي يشدد عليها عميد الكليّة، الذي لن يسامح المدرس وسينبهه، أو ربّما ينذره ان هو تغاضى عن تسجيل غيابكم .
لقد حلّ الربيع، ولا بدّ أنّ الأشجار قد تفتّح زهرها، والورود بدأت بنشر عبير فوّاح في باحات الكليّة، فيحلوا الجلوس على المقاعد مجتمعين، أو تتمشّون زرافات تشربون وتأكلون، وتتأففون من أسعار المشروبات في مطعم الطلبة . وان ذكر أحدكم شيئا من مواد الدراسة، نهرتموه بحجّة أن هذا يكون في القاعة أو المكتبة . ولكنكم تذكّرون بعضكم في ضرورة حضور الحفل الذي سيقام في المدرّج لأن فرقة الدبكة ستكون حاضرة فيه، فنحن في فصل الربيع الذي تكثر فيه الأنشطة غير الدراسيّة .
حماكم الله من هذا الوباء الذي عمّ العالم، وأعادني وإياكم الى القاعة الدراسيّة حتّى نتصل عن قرب وننسى هذا الذي يسمّونه التعليم عن بعد، وأعدكم بأن أوّل كلمة ستكون لي، كيف أصبحتم يا أحبائي الطلبة .