بقلم: العميد المتقاعد اسماعيل
الحباشنه
الأمم تعود إلى أيام الحروب لتقرأ من
جديد دروسها، دروس دفعت فيها الأرواح والدماء والعرق والألم، تعود لتتأكد أنها تقف
في مكانها الصحيح، وأن خطواتها القادمة بالتالي ستكون إلى الوجهة المطلوبة والصحيحة.
ودروس الحروب كثيرة، رغم أنها الأكثر
إلحاحًا في واقع اليوم البائس شديد العجز، وما جرى فيها من احداث وتحالفات تعتبر
على الدوام تاريخًا فاصلًا ويومًا مجيدًا خاصة تلك التي حدثت بين عالمين
وزمنين مختلفين.
أيام الحروب في حياة الأمم ليست كغيرها، ولا تمر كسواها بسرعة، فالدم وحده
قادر على إبقاء الحقيقة حية، تصيح لتروي كيف عبرت هذه الأيام، وكم كلفت كل خطوة
وكل لحظة وكل نفس. الدماء الزكية التي سالت على الأرض ورائحة الموت التي تنتشر في
كل مكان.
فبينما ولو نظريا ينظّم القانون الدولي
أساليب الحرب والوسائل المستخدمة لشنها. وثمة القيود على نوع الأسلحة المستخدمة،
وطريقة استخدامها وسلوك الأطراف المشاركة في الحرب. ويقتضي مبدأ التمييز بين هذه
الأطراف التمييز في جميع الأوقات بين المقاتلين والأهداف العسكرية من جهة، والسكان
المدنيين والأعيان المدنية من جهة أخرى، ومن ثم توجيه عملياتها ضد الأهداف
المشروعة للهجمات دون غيرها.
ومن ناحية أخرى هناك مفارقة مرعبة
بين حقائق الحروب وبين حجم الاهتمام الإعلامي والسياسي بها وهو ما يتطلب التعمقّ
في دراسة أسباب هذا التجاهل والتناسي.. وأحيانا التنصل منها، والتنكر لدروسها ومعانيها....
فتلك حقائق على الدوام صالحة حتى اليوم لإعانتنا على فهم ما يجري
حولنا فندرك نواحي قوتنا لتطويرها ونواحي ضعفنا لنتخلص منها.
نعرف الكثير عن النزاعات القائمة في سورية
والعراق وأفغانستان وليبيا وأوكرانيا وغزة، ولكن هناك أكثر من 40 نزاعا دائرا حول
العالم حاليا، وبعضها لا يحظى باهتمام الإعلام فتحولت إلى نوع من "حروب
منسية".
شهد العام المنصرم اندلاع حروب وصراعات
مدمرة حول العالم، حظي الكثير منها بتغطية ضعيفة من وسائل الإعلام الغربية، إذ
يُنظر إليه على أنه أقل أهمية من الحروب في قطاع غزة وأوكرانيا، بحسب مقال في مجلة
نيوزويك الأميركية.
ونزاعات كثيرة لا تحظى باهتمام وسائل
الإعلام أو انتباه صانعي السياسات"،
وأن ذلك يحدث "ربما لأنها لا تمتلك نفس الأهمية الجيوسياسية
والاقتصادية" للحروب التي تحظى باهتمام عالمي، رغم أن بعضها قائم منذ عشرات
السنين.
ووفقا لاحد اهم المنظمات المهتمة والمختصة
بهذا المجال فقد تم تسجيل 55 نزاعا مسلحا نشطا بين الدول في عام 2022 . ثمانية
منها وصلت إلى مستوى الحرب وتم تدويل 22 منها. وإذا قمنا بتوسيع التعريف ليشمل
جميع أنواع الصراعات والعنف، فإن هذا العدد يرتفع إلى 170 بحسب المنظمة.
وكان عام 2022 هو العام الأكثر دموية
لضحايا العنف المنظم منذ الإبادة الجماعية في رواندا في عام 1994. والحروب التي
ساهمت أكثر من غيرها في هذا السجل المحزن هي تلك التي اندلعت بين روسيا وأوكرانيا
وكذلك في إثيوبيا
وإن السمة التي توحد الصراعات المسلحة
فضلاً عن الصراع بين إسرائيل وفلسطين والعديد من أحداث العنف الأخرى في مختلف
أنحاء العالم، هي حضور أو غياب المجتمع الدولي .
في الواقع، هناك مناطق تعرضت لاضطرابات
داخلية لسنوات عديدة، ولم يأخذ المجتمع الدولي معظمها بعين الاعتبار. على الأقل
ليس في الممارسة العملية، أو على أي حال لا يتجاوز التصريحات المتفرقة والإلزامية
للظروف.
إنني أتحدث عن نفس المجتمع الدولي الذي
يفتخر بلعب دور تعزيز التنمية والاستقرار على المستوى العالمي، والذي يعمل كضامن
لحقوق الإنسان والسلام العالمي.
إن الصراعات المسلحة اليوم هي أيضاً
نتيجة لاختيارات المجتمع الدولي الذي يستند إلى القانون الدولي، ولكنه يتبع الراحة
والسكينة في حين يتملكنا جميعا هذا الأسى الخانق، لكن ماذا نفعل؟نحن أمام أمرين:
إما أن نحول قضيته إلى بكائية وموضوع إحباط ولوم واتهامات بالتقصير، أو ذكرى معذبة
لا يسعنا معها سوى صمت المهزوم، وإما أن نجعلها قضية الوطن كله.
أن المجتمع الدولي يمثل حالة خاصة من
فقدان الذاكرة الانتقائي: فهو ينسى ما يناسبه أن ينساه ولا يعيده إلى الذاكرة إلا
عندما يكون من المناسب له أن يتذكره. في السابع من تشرين الأول/أكتوبر، تذكر
المجتمع الدولي الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، الذي ظل كامنا في ذهنه لسنوات.
وهنا نسأل سؤال مشروع هل يمكن استعادة
الصراعات المسلحة الأخرى الكامنة في الذاكرة الجماعية والتي تنتظر الفرصة لتستيقظ.
في الواقع، إذا تذكرنا ذلك فقط في لحظة
الأزمة، فمن المحتمل أن كلمات الإدانة أو الدعم اللطيفة لن تكون قادرة على فعل
الكثير لحل الوضع. ولكن إذا وضعناها جميعاً في أذهاننا بوضوح، وعملنا عليها
مقدماً، فربما كان بوسعنا أن نتجنب بعض "الفظائع" التي تصدمنا كثيرا
....
فهذه الصراعات قائمه ودائمه وهي صراعات
صفريه لا حلول وسط أو مقاربات وانصاف حلول أو ترحيل للازمات فإما النصر الكامل
وإما الهزيمة الكاملة والواقع العسكري في الميدان هو ما يحدد كل مفردات النصر والهزيمة
بعد ذلك .....