بقلم: العميد
الركن المتقاعد اسماعيل عايد الحباشنه
..تشتق كلمة
"العسكرية" من عسكر، وهي كلمة فارسية تم تعريبها وأصلها لَشْكَر،
و"العسْكرُ: الجيشُ ومجتمعه، والكثيرُ من كلِّ شيء. يقال: عَسكَر من رجال،
وعَسْكَر من خَيْلٍ . أن كلمة العسكرية
تدور حول معنيين: الكثرة، والشدة، ومن ثم فهما يعبران عن الجيش الذي يمتاز بالكثرة
والشدة والقوة.
بداية
يمكن القول ان الفكر العسكري مرتبطة بشكل جوهري بصراع الإنسان على هذه
الأرض. ففى الوقت الذي رأى البعض أن حادثة قتل قابيل لهابيل شكلت البداية الفعليه
يرى آخرون أن الخوف مهما كان مصدره هو الذى دفع الإنسان إلى التفكير فى وجود وسائل
مادية وطرق وحيل نظرية، تجعله يشعر بالأمان حتى يضمن بقاءه واستمراره. غير أن
الوسائل تلك سرعان ما تطورت وارتبطت بمستوى الانتلجانسيا ( النخبة المثقفة )التي
شهدتها كل حقبة، وذلك حسب تعدد المدارس والعقائد التي تختلف باختلاف الأمم والشعوب
والإمبراطوريات. وقد ساهمت جملة من المسببات فى دفع هذا النشاط إلى الأمام، حيث
السيطرة والاستعمار والتطلع إلى الاستيلاء على الأراضي وموارد الغير تحت شعارات
واهية (نشر الحضارة) مع مرور الأيام أظهرت
زيفها.
من يقرأ الفكر العسكري يتبين بوضوح أن
الصّراعُ المُسَلَّحُ في كل زمان و مكان، و منذ أن استخدم الإنسان فيه السكين
الحجريّة إلى استخدام القنبلة النووية كان دائما و أبدا يفرز القادة، أولئك
"النخبة" (عسكرية كانت أو سياسية) الذين توصلوا بمعاناتهم و ممارساتهم
لاكتشاف المبادئ الأساسية لفنّ الحرب، تلك المبادئ التي ما تزال قائمة حتى أيّامنا
هذه يستخدمها القادة، كلٌّ وفق عبقريته و شجاعته و تجاربه، بيد أن ذلك لا يعني أنّ
تطبيقها بأسلوب ما، يمكن أن يوصل إلى النجاح و الظفر.
الفكر العسكري
جزء من الفكر العربي، والاهتمام به والرقي بنبل وإنسانية فن الحرب هو رقي بالأمة،
والفكر العسكري النبيل لا يتعارض مع سيطرة الحكومات المدنية على القرار العسكري
فذلك من صلب الديمقراطية، والفكر العسكري النبيل هو الذي يحول دون الهزائم والفساد
المالي ويظهر الجيوش كمعقل من معاقل تنمية
المجتمع بما ترفد السوق من مهندسين وأطباء واستراتيجيين وإداريين، كما يبرز الوجه
الحقيقي للبلدان بما تقدمه عبر قوات حفظ السلام والقبعات الزرق من أمن وطبابة
وإعاشة في مناطق البؤس الإنساني.
أما العقيدة العسكرية فلها من الأسس التي تقوم عليها، ومصدر تتغذى عليه حتى تصل إلى
مرحلة النضج، ثم تستمر لكي تفي بالغرض المطلوب.
والعقيدة
العسكرية كي تصح تسميتها عقيدة يجب أن تكون مشروعا متكاملا يبدأ من أعلى سلطة في
الدولة حتى يصل للجندي في الميدان؛ ويُعتمد فيه على حاجة الدولة إلى الأمن لحماية
مصالحها الوطنية.
كما أنها تعمل
على الربط بين النظريات والتاريخ والتجارب والخبرات العملية، وتهدف إلى تعزيز
التفكير الإبداعي والابتكاري داخل المؤسسة العسكرية لإيجاد حلول غير نمطية في
مواجهة المواقف القتالية المتعددة، علاوة على إمدادها للمؤسسات العسكرية بأساليب
قيام القوات المسلحة بتنفيذ العمليات المختلفة ووضع دستور محدد يستخدمه القادة
العسكريون وواضعو الخطط القتالية في أثناء إدارتهم المعارك.
وتتلخص مصادر
العقيدة العسكرية في العقيدة الشاملة للدولة التي تُعد المصدر الأساسي لجميع
مستويات العقيدة بشكل عام، والعقيدة العسكرية الأساسية بشكل خاص. ومن الأمثلة على
عقائد الدول: العقيدة الدينية، والأيديولوجيات والأسس والمبادئ التي يضعها القادة
السياسيون، وبهذا تختلف العقيدة العسكرية باختلاف ظروف كل دولة، فلا يمكن القول إن
هناك عقيدة عسكرية واحدة لكل الدول.
كذلك الدروس
المستفادة من الماضي، وهي من الأسس التي تُبنى عليها العقيدة العسكرية على مُختلف
مستوياتها، ويعد التاريخ العسكري مصدرا فعالا وناجحا لبناء العقيدة العسكرية
وتطويرها، لأنه حصيلة خبرة وتجارب تكررت.
وأيضا التطور
التقني، ويلعب هذا العنصر دورا كبيرا في تطوير العقيدة العسكرية وتحديثها على
مختلف مستوياتها، وخاصة على مستوى العقيدة البيئية والعقيدة التنظيمية.
وكذلك مصادر
التهديد والتغيرات المستمرة في النظام العالمي، وينعكس أثرها بشكل واضح على
العقيدة العسكرية على مختلف مستوياتها.
وهناك طبيعة
الحرب القادمة، الحرب المتوقع أن تخوضها الدولة، من حيث نوعها وشكلها ومستوياتها
ومشروعيتها ووسائلها، فهي تحدد العقيدة العسكرية للدولة على مختلف مستوياتها.
وأيضا
الإستراتيجية العسكرية للدولة، وينعكس تأثير تنفيذ الإستراتيجية العسكرية بشكل
مباشر على وضع العقيدة العسكرية، ولا سيما البيئية والتنظيمية اللتين يجب تطويرهما
بشكل مستمر بما يلائم متطلبات الإستراتيجية العسكرية للدولة.
وتنعكس طبيعة
الدولة الجغرافية على العقيدة العسكرية بشكل مباشر، فموقع الدولة يحدد حجم
تنظيماتها العسكرية ونوعيتها وطريقة استخدامها.
كما أن موارد
الدولة المختلفة تحدد مركزها عالميا وسياساتها الداخلية والخارجية، ولهذا نجد أن
العقيدة العسكرية ترتبط ارتباطا وثيقا بنظام الدولة، وبالأعباء الملقاة على عاتقها
في قطاع السياسة الخارجية والداخلية، وبالحالة الاقتصادية والسياسية والثقافية
للبلاد.
وبين هذا
وذاك، توجد عقائد عسكرية لدول أخرى تفرضها طبيعة تلك الدول، وتاريخها ومعتقداتها
وتحدياتها.
وفي العهد
القريب رأينا أن هناك دولًا شرعت لأنفسها حروبًا حرصت على سرعة الانتهاء منها لكي
لا تفقد المساندة الأخلاقية والإنسانية بل والاقتصادية أحيانًا أخرى. وهذا دليل
على ضرورة دراسة مدى القدرة على إدامة التساند بين مقومات الحروب ومقومات شرعية
إعلانها والقدرة على الاستمرار فيها قبل الشروع فيها.
نعم العقيدة
العسكرية يحددها الفكر العسكري المشروع
وتمنحه الصفة الأخلاقية والإنسانية بدءًا بالاستعدادات وبناء القوات والتدريب،
وانتهاء بالعمل القتالي نفسه ونتائجه الناجمة عنه حيث يتم استثناء مجموعة الأساليب
والأهداف والنتائج والسلوكيات التي تقضي على الجانب الإنساني والأخلاقي للقتال
بسبب نتائجها المدمرة والبشعة.
نخلص بالقول
إن اساس العقيدة القتالية الناجحة تنتج عن فكر عسكري ناضج ومرن وبما يتوافق مع ما
تم عرضه سابقا ....