"حسام زلمط" سفير فلسطين في
لندن، تابعناه مؤخرا في عدة مقابلات مع فضائيات عالمية... يحاصرونه لإدانة
المقاومة، فيقلب الطاولة عليهم، ويقتاد محاوريه غصباً إلى إدانة أعمال العدو
الإجرامية، يخاطبهم بلغتهم، يتفوّق عليهم بشخصيته الحضارية الراقية الرائعة،
وبديهته الحاضرة، وجرأته الطاغية.... في
هدوء الواثق، ووثبة الصابر، ومنطق صاحب الحقّ المطالِب المثابر.
رسم لنا الصورة المثلى للسفير الواعي
المثقف الذي يمثل - بحق - قلعة منيعة متقدمة للدفاع عن حق وطنه وأمته، وجعلنا
نتساءل بتفجع: هل يقوم سفراء الدول العربية والإسلامية بواجباتهم في هذا العالم
المأسور لسطوة الإعلام؟ بل هل يفعل مثله سفراء فلسطين أهل القضية وأولياء الدم؟
ها قد بدأ الأعداء يزيفون بطولة المقاومين،
ويحولونهم إلى حيوانات بشرية، ويصورون هجماتهم بأنها أعمال إرهابية....
أعداؤنا غارقون حتى الآذان في الإرهاب منذ
فجرهم، وصفحاتهم السوداء في التاريخ يراها العميان، حتى إذا أعمتْهم عنجهيتهم
فناموا، وظفر بهم أصحاب الحقّ ذات غفلة، تراهم قد ثارت ثائرتهم، وعلا عويلهم،
ورمونا بدائهم وانسلّوا، فوصفونا بالإرهاب!!!!!
مائة عام وهم موغلون في كل الجرائم الإنسانية ضد كل ما هو عربي، من
قتل ومجازر إبادة، واغتصاب أرض، وتدمير ...... وحجتهم هي حكاية تاريخية مزيفة
واهية.
ثلاثة أرباع مليون فلسطيني مرّوا واستقرّوا
في سجونهم منذ عام 1967، كثير منهم دون تهمة أو محاكمة، أو باعتراف باطل تحت
التعذيب، أو بعمل دفاعي أقرّته شرائع السماء وقوانين الأرض، وتأبّد كثير منهم في
سجنهم، أو استشهدوا جوعاً أو مرضا أو قهراً، أو أنهوا مدة محكوميتهم ليخرجوا قد
فارقوا شبابهم وصحتهم، يبحثون عن رائحة أمهاتهم أو آبائهم أو ذويهم في ثرى القبور
الدارسة.
حدث كلّ ذلك، والعالم لا يرى ولا يسمع،
لكن، إذا أسر المقاومون بضعة جنود من ثكناتهم وهم في كامل أسلحتهم، أو اقتادوا
بضعة مستوطنين وبضع مستوطنات يحملون جنسيات مزدوجة، سيَثبت أنهم مجندون أو خبراء
ومستشارون لدى العدو للفتك بالعرب، نرى هذا العالم الغربي المزيف يرفع عقيرته،
ويجأر بالتهديد، ويطالب بإعادة مواطنيه إليه دون قيد أو شرط..... ولا أحد يسأله:
ماذا يفعل مواطنوك في بلادنا؟!
إنه بطش الإعلام الذي لا يرحم:
إن سكتنا عن حقنا واستكنّا، قالوا: العرب
جبناء. إن ثُرنا لكرامتنا ودافعنا عن وطننا، قالوا: إننا إرهابيون. إن هادنّاهم
وفاوضناهم أغرقونا بألاعيبهم ومكرهم وخداعهم، وأوردونا مياه بحار الأرض والأنهار،
وأرجعونا إلى صحرائنا وعالم أحلامنا والظمأ يقتلنا!!
نعم، إنه بطش الإعلام الذي لا يرحم.
ألم يئن الأوان أن نواجه شعوب العالم بوعي
وندحض مقولات عدونا؟ أليس هذا دور سفرائنا؟
نحن نملأ هذا العالم طولا وعرضا، لنا علماء
ومخترعون وصناعيون وأطباء وأساتذة جامعات وطلاب وصحفيون نابغون مشهورون ودُعاة
ورجال أعمال..... لماذا لا يكون كل منهم رسولا لوطنه وأمته يمثلها لإعلاء شأنها
وإجلاء حقها، وإظهار حقيقتها، وطمس زيف أعدائها؟
الطليعة الشريفة المقاومة غرب النهر هي
خندقنا الأخير، إن تهلك فلن تقوم لنا بعدها قائمة زمنا طويلا.
لقد أثبتوا بطولة العرب، وذكاء العرب،
وصمود العرب، وإرادة العرب...... كنا نشعر بالحسرة، وتغلبنا الغيرة عندما نشاهد
بعض الشعوب كيف تدافع عن أوطانها، لكننا الآن نفاخر بأبطالنا الدنيا، ونرى فيهم
الأنموذج الأعلى في الفداء والتضحية والدفاع عن الأوطان.
داس الغرب الظالم عواصمنا، وجاس بلادنا،
ودمر أوطاننا، لأننا في نظره طلاب فاشلون أراد أن ننسلك في مدرسة مهزلة ديمقراطيته
الماكرة، حتى إذا مارسنا حقنا في التعبير عن آرائنا، واتخذنا مواقفنا التي تخدم
مصالحنا وتحافظ على حقوقنا وتصون أوطاننا، جُنّ جنونه، فأعاد مخاطبتنا بديمقراطيات
حاملات الطائرات، وقنابل الأعماق التي تبحث عن بقايا العزة في الأنفاق.
وإذا حاولنا إسعاف إخواننا في العروبة
والدين المظلومين المحاصرين بنزر من غذاء أو دواء أو وقود، قصفونا وأجبرونا أن
نعود، وسيأتي يوم يمنعونا فيه من دفن موتانا، وما أكثرهم! ولعل ذلك غير بعيد.
لقد طغى الهول، والقادم أصعب، وعدونا ما
رحمنا يوما ولن يرحم، وخرائطه تجهر بنواياه، وليس لنا إلا الاتحاد والالتحام
والاعتصام بحبل الله، والوفاء بواجب الأخوة والعروبة والإسلام، وإعادة قراءة
التاريخ لعلنا نعتبر قبل فوات الأوان.
رحم الله " أمل دنقل"، فقد محضنا
النصح، وأوصانا بصدق لو استلهمنا وصاياه.