بقلم:
د. حفظي اشتية
حلمت
ذات سهوة بعد أرق مقضّ وقلق ممضّ أنه بعد حراك سياسي توعوي امتد لسنوات، هدف إلى إقناع
الناس بضرورة الانغماس في الشأن السياسي، والانخراط في أحزاب لها برامج واعية
هادفة رشيدة صادقة، للنهوض بالوطن وإعلاء شأنه، وتحصين أمنه، وتحسين مستقبله،
وتخليصه من دَينه، والارتقاء به اقتصادا وتعليما وصحة، وحربا شرسة ضروسا للفساد،
وإصلاحا إداريا شاملا فاعلا....إلخ، جاء وقت الحصاد، فتشكلت أحزاب بعضها يتسم
بالوعي، لها مواقف تُقرأ وتُفهم وتُتوقع.... وبعضها طلع فجأة على عَجَل، ونما
واستطال واستوى على سوقه في ليلة، تصدّره طامحون متطلعون للظهور، سرعان ما اصطرعوا
ودبّ الخلاف بينهم، فتطايرت الاستقالات، وهوت الأمنيات، وتزعزعت الثقة في المشهد
كله رغم افتراض حسن النية ونبل المقصد.
وأخيرا.....
وفي ليلة غاب قمرها..... استيقظنا صباحا فإذا آلاف صور المرشحين للانتخابات
النيابية تشوّه البيئة، وتحتل الأعمدة، وتستبيح الشوارع والميادين، تُعشي البصر،
وتُعمي البصيرة، وتستفز المشاعر، وتحجب الأنظار، وتستثير في أذهاننا الكليلة
المكدودة آلاف الأسئلة التي تحيّرنا، وتقضّ مضاجعنا، وتقلق راحتنا، وتهدّ حيلنا
حيال ما يجري حولنا في منطقة دامية تمور بالأحزان والاضطراب والتوتر والترقب
والخذلان.... يتلاعب بها أعداء ما رحمونا يوما ولن يرحموا، ولا يرون فينا إلا عقبة
كأداء يجب تطويعها، أو تذويبها وإزالتها تماما لتحقيق مآربهم الدينية الخرافية، أو
السياسية الماكرة، أو مصالحهم العابثة الأنانية الماجنة الفاجرة....
جاءت
الصور لتجيب عن كل هذه الأسئلة!!!!!!! فإن أردت أيها المواطن المقهور بهمّ وطنه،
المغلوب على أمره، المفجوع بمصير أمته، إن أردت الجواب الشافي الكافي الجامع
المانع عن كل سؤال يدور في ذهنك العليل، أو أردت الحل الباتع الناجع لأيّة مشكلة،
فما عليك إلا أن تنظر في صور المرشحين لتجد الجواب أو الحل!!!
الصورة
أمامك، انظر، تمعّن، فكّر، تبصّر، تدبّر، شغّل عقلك، ثم اخترْ.
الجواب
معروض أمامك عيانا في الصورة، ولك عينان تنظران، وعقل يعي!!!
قد
تجد الجواب في لون عينيْ المرشح، أو شكل حاجبيه، أو طول أنفه أو فلطحته، في رسمة
شاربيه، في نوع صبغة شعره، في صلعته، في تدويرة أو استطالة لحيته، في أسنانه
الطبيعية أو الهوليودية، في سر نظرته، في شكل شحمة أذنه، في سحر ابتسامته، في ربطة
عنقه، في ياقة قميصه، في ماركة بدلته، في ساعة معصمه....!!
الجواب
موجود، شغّل عقلك.... من خلال الصورة ستعرف مواقف المرشح من متاعب الوطن ومصائبه
وجروحه النازفة، من رزايا الأمة، ومكائد الإعداء.... ستعرف كم كتابا قرأ ؟ وما
منهجه الفكري ؟ وكيف طاف بكل تجارب الأمم ماضيها وحاضرها ليستقطر الرحيق ويعالج
مرضنا العضال ؟
ستعرف
خططه الإبداعية لحل مشكلاتنا الاقتصادية، وتطوير مؤسساتنا، وتسديد ديوننا، وتسييج
وطننا بالقوة العلمية والعسكرية، وخلق فرص العمل للعاطلين، ورفع سوية الصحة
والتعليم، وربط الوطن بتاريخه ودينه وأمته برباطٍ وثيق محكم متين، والذود عن حياضه
أمام الطامحين المشعوذين.
ستعرف
إن كان المرشح خبيرا بأنواع الملوخية، أو تعليمات المقاولات، أو ألوان العصير.....
ستعرف
إذا اتكأ المرشح على عيال العم، وأتراب المضارب، وأمجاد القبيلة إن كان سيحفظ
الجميل لأهله، ويصون إرث قبيلته، أم أنه سيحل كل مشاكلنا بهزّة يده بالسيف هزّة
الثمل بالفخر، ليقيم لنا إمبراطورية عرمرمية يتزعمها هو نفسه، نَسَمُها الجمعي
الكلي الإجمالي أقل من مائة ألف!!
ستعرف
كيف تشكلت بعض القوائم على المناسف في سهرة صيف، لتطل علينا صور المجموعة العتيدة
صباحا في المواقع الإخبارية، تجمع الشاميّ والمغربيّ ثم تفتح المندل لتفهم: ما
الذي جمعهم؟! وما الفكر الذي لمّهم؟! وما المنهج الذي ضمهم؟!!!
ستعرف
إن كان المرشح خبيرا في التاريخ والجغرافيا والسِّيَر، يعرف أشجار الأردن، ومَن
الصحابة الذين استظلوها في رحلاتهم وفتوحاتهم، ليستنهض في خلق الله الشعور الديني
الطيب، يركب موجته ليصل إلى مراده، ثم يدخل المجلس فاتحا منتشيا يلتقط الصور
التذكارية، ثم يغادر غادرا بعهده، ناكرا لأمانته، يبحث عن مطامحه الذاتية في أسواق
النفاق، ليغرق في مهاوي المصالح الشخصية الأنانية.
لقد
طغى بنا الهمّ، وادلهمّ!!! فمن نخاطب؟ ونشكو قلة حيلتنا وهواننا لمن؟!
لم
يبقَ أمامنا إلا أن نخاطب عامّة شعبنا نرجوهم ألا ينخدعوا بالدعاية المزيفة،
والأقوال المنمقة، والوعود العرقوبية الخلّبية السرابية، وألا يبيعوا وطنهم من
خلال بيع أصواتهم لمن لا يستحق، وأن يصونوا وحدتهم الوطنية، وألا يكونوا صرعى
الخجل أو الرهبة أو الرغبة، بل عليهم أن يُشهروا موقفهم الصريح الصارخ بأنهم حماة
وطنهم. ولأنهم كذلك فلن يسلموه إلا لمن يؤتمن عليه. ونذكّرهم بأننا في عين
العاصفة، وأن الأعداء يتربصون بنا، قد فتكوا وما زالوا يفتكون بأهلنا، وعينهم
علينا، ويعدّون العدة لنا، وبأننا ورثة مجد تليد، بلدنا فريد بين الأوطان، صغير
بحجمه، عظيم بأثره وتاريخه وتضحياته.....
دافع
بشرف عن أمته، وخلّد أبطالُه أسماءَهم في تاريخ الشرف، في ثرى فلسطين السليبة
عامة، وبخاصة في القدس بأسوارها وأزقتها ووديانها ومآذن مساجدها ونواقيس كنائسها.....
وما زال حناء دمائهم الطاهرة يفوح عطرا وشهادة وتضحية وشجاعة هناك، وفي تلال
الكرامة، وفي الجولان وفوق الثرى الطهور في كل مكان.
وأن
هذا الوطن ذات يوم ــ وقد لا يكون بعيدا ــ سيعود واسطة العقد، ومفجّر ميلاد الأمة
المجيد الجديد، ومنارة تهدي السالكين نحو التحرير وتخليص البلاد والعباد من كيد
الشرذمة المعتدين، ومكر المستعمرين الطامعين.