د . عودة أبو درويش
النصر في معركة الكرامة ، ما كان له أن يسجّل أو أن يذكر التاريخ ذلك اليوم الخالد ، لولا الجنود الشجعان من جيشنا العربي ، الذين كان هدفهم وجلّ أمانيهم الدفاع عن وطنهم ، ووطن آبائهم ، باذلين في سبيله دمهم الغالي ، ليصنعوا نصرا مؤزّرا سجّل للجيش العربي الأردني ، وللفدائيين المؤمنين بقضيتهم ، بشهدائهم وأبطالهم الذين ما زال بعضهم على قيد الحياة ، يروون تفاصيل دحرهم لقوّات العدو بكثير من البسالة والحماس وحبّ الدفاع عن الأرض والوطن والعرض . هذا النصر حققه جنود جاؤوا من كلّ مدن الأردن وقراه ، فيافيه وبيداءه ، رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه ، أوفياء ملتزمين بالطاعة ، عقدوا العزم على تحقيق نصر يكون اعادة لكرامة الأمّة ورفعة شأنها . أبطال ما كانوا ينادون بفئويّة أو اقليميّة ، ولكن نادوا بأن تعود للأمّة كرامتها .
شهداء معركة الكرامة ، سجّل لهم التاريخ صفحة في سجّل الأبرار الذين دافعوا واستبسلوا عن الغور والأردن والوطن العربي الكبير ، وكانوا قبل ذلك هم وآباءهم قد دافعوا عن فلسطين ، عن مدنها وقراها ، سهولها وجبالها ، واستشهد منهم من استشهد ، وبقي حيّا من روى لنا قصّة التلاحم في الدفاع عن الأرض . التلاحم الذي كان يعني بالنسبة لهم قوّة تعينهم في الدفاع عن وطنهم وشرفهم .
لن ننساكم أبدا ، ولن ننسى أسماءكم ، وسنستلهم منكم العزم والتصميم ، والقوّة في الدفاع عن حقّكم وحقّنا في الدفاع عن أرضنا ، ونعرف أنّكم اردتم أن تثبتوا لنا أنّه لا خوف من العدو الذي ظنّ العالم أنّه لا يقهر . انّكم جميعا أبطال ولكل بطل منكم قصّة بطوليّة علينا سردها لأنفسنا ولأولادنا لنتعلّم منها ، ولكن اعذروني في أن أستذكر واحدا منكم ، ممن استشهدوا في معركة الكرامة ، وكان قد جاء من جنوب الأردن ، من مدينة معان ، وأسمه الملازم أول خضر شكري يعقوب ، رحمه الله . كان شابّا يافعا تخّرج حديثا من الكلّية الحربيّة . وفي المعركة كان ضابطا للملاحظة ، أي أنّه في موقع متقّدم ، يرصد حركات العدو . ولمّا أحسّ أنّ العدو يمكن أن يكون قد عرف مكانه ، وخوفا من تقّدم العدو ومباغتة قوّات الجيش العربي ، أرسل نداء لكتيبته قال فيه ، طوّق العدو موقعي ، ارموا موقعي حالا ، أشهد أنّ لا اله الّا الله وأنّ محمدا رسول الله ، حققت الشهادة في سبيل الله .
كان الشهيد خضر قد ترك أمّه وأباه وأخوته وزوجته وولده الذي لم يره بعد ، موّدعا ايّاهم على أمل اللقاء ، سامعا لدعوات أمّه له بالتوفيق ، وتحقيق ما يحلم به ، راجيا في سرّه أن تدعو الله له بالشهادة في سبيله . وكان ما أراده ، مستشهدا في يوم صادف عيد الأمّ ، التي رفعت يديها يوم استشهاده راجية الله العلّي القدير ، أن يدخله جنّات الخلد ، هو وأخوته شهداء الجيش العربي الأردني ، الذين لن ننساهم أبدا .