الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية بين ميسي ورونالدو.. رودري يختار الأفضل في التاريخ الأمن العام ينفذ تمريناً تعبوياً شاملاً لتعزيز الجاهزية والتنسيق في مواجهة الطوارئ على خطى بيكهام.. أول لاعب كرة لا يزال في الملعب يقتحم عالم الاستثمار في الدوري الأمريكي "غولاني".. أشرس ألوية الاحتلال تسقط في "كماشة" مقاومي غزة ولبنان كلية الـ تمريض في جامعة جرش تنظم يوم عمل تطوعي في محافظة جرش وزير العمل: إعلان الحد الأدنى للأجور خلال 10 أيام مادبا .. ازمة سير خانقة بسبب اعتصام لأصحاب المركبات العمومية الاردن يدين بأشد العبارات جريمة قصف "إسرائيل" حياً سكنياً في بيت لاهيا 51647 طالباً وافداً في مؤسسات التعليم العالي الأردنية ارتفاع أسعار الذهب في السوق المحلية نصف دينار وفاتان و 3 اصابات بحادث سير بين 4 مركبات أسفل جسر أبو علندا - فيديو الحكومة تقرُّ مشروع قانون موازنة عامَّة للعام 2025 تتسم بالواقعية وتحفيز النمو "الصناعة والتجارة” تطرح عطاء لشراء قمح وشعير ترشيح العرموطي لرئاسة النواب خدمّ الصفدي - وتحالفات الاحزاب الوسطية سحبت البساط من الاسلاميين

القسم : بوابة الحقيقة
وباء وقَدر
نشر بتاريخ : 3/25/2020 8:34:47 PM
د . عودة أبو درويش


لا أستطيع هذه الايّام أن أنام من دون أن يمرّ في مخيّلتي وجه عمي الذي انتقل الى رحمة ربّه وترك هذه الدنيا الفانية ، بعد أن أنهى العقد الثامن من عمره .  ولا أقرأ ما يكتبه الناس ، وهم خائفين على وسائلهم التواصليّة الحديثة ، الّا وأتذكّر قصصه الكثيرة عن الأيّام المرّة والحلوة التي مرّت عليه وعلى من عاش من أقرانه ، في وقت لم يكن فيه من وسيلة للمعرفة الّا جلسات الدواوين وحكايات الناس التي سمعوها من غيرهم ثم تناقلوا روايتها فيما  بينهم من دون أن يتحققوا منها . ولكن ما قصّهَ عليّ عن الوباء الرهيب الذي فتك بالناس ، ولم يكن يُعرف له دواء ، فقد عاش أيّامه .

     جلست بجواره ، وكان متكأ على عكّازه ، شاخصا بنظره الى شيء لا أراه أنا ، وبدأ يقصّ عليّ وكأنّه يرى الاحداث ماثلة أمامه  ، أو كأنّه يعيشها الآن . قال ، كنت في الخامسة عشر من عمري أو أقل ، لكنّي كنت أبدو أكبر من ذلك ، ربّما بسبب أنّي قوي البنية ، مفتول العضلات ، أستطيع أن أرفع كيسا من القمح ، ذو الخط الأحمر بسهولة . كنّا نعيش في قرية صغيرة ، ولي أخت تصغرني بسنتين  ، اسمها وردة ، شعرها أسود بضفيرتين طويلتين ، وعينين واسعتين يشعّان فرحا وسعادة وذكاء ، مرحة ، وتجلب لمن حولها حب الحياة  . تعلّمت في الكتّاب القراءة والكتابة والحساب ، ولم أفلح أنا في ذلك .

      في يوم من أيّام الصيف ، بعد أن انتهيت من وضع العلف للغنم ، سمعتها تأنّ وتشكوا من بطنها ، وأمّي تربّت عليها وتقول ، دعينا من الدلال يا وردة ، لدينا عمل كثير نقوم به ، اشربي هذه الأعشاب ، ميرمية مع اليانسون ، ستريحك . لكنّ وردة بدأت بالإسهال والقيء ، وصغرت فتحة عيناها ،  ثمّ غابت عن الوعي  . لم أدري كيف حملتها بين يديّ وركضت بها الى المستوصف ، الذي تسمّونه الآن مركز طبّي ، لكنّ مركزنا ليس فيه سوى غرفة واحدة  . كان بعيدا عن القرية التي نسكن و كان كلّ أهل القرى المجاورة يعالجون فيه ،. ولا يعمل فيه الّا ممرض وحيد اسمه أبو محمود .  لا يعرف من الادوية الّا دواء واحدا ، يعطيه لكل الامراض وعنده بعض الحقن يغرزها في العضل ويقول بسم الله الشافي المعافى . ولكن كان لديّ أمل أن أجد عنده الشفاء لأختي . التي لم تعد قادرة على الحركة . وذبلت تماما .

في المستوصف كان كثير من الناس معهم كثير من الأطفال يعانون كما تعاني أختي وردة ومنهم جميلة ، صديقة اختي التي كانت لا تفارقها . وإذا رأيتهما مع فتيات أخريات يلعبن خارج الدار ، آمرهن بالدخول بصوت عال أحاول أن يكون رجوليا ، فتنظر اليّ بابتسامة تكشف عن غمّازتين رائعتين على خدّيها ، فأغضّ الطرف عنها . لمّا رأتني أدخل المستوصف ، حاولت أن تبتسم لكنّها لم تستطع لفرط الألم .عندما رآني الممرض أبو محمود داخلا أحمل بين ذراعي اختي وردة ، وكان جبينه يتصبب عرقا ، طلب منّي مساعدته ، فلبّيت الطلب ولم أكن أعلم أن هذا مرض الكوليرا المعدي الذي يفتك بالبشر بلا رحمه .

في نفس اليوم ذبلت وردة ، وماتت . وبعدها بساعات ماتت صديقتها جميلة . حفرتُ لهما قبرا واحدا . وضعناهما فيه بعد أن صلّينا عليهما . وفي الأيّام التالية مات أبو محمود وكثير من الناس ، وأنا الآن أتذّكرهم بعد ستّين سنة وكأنها البارحة . نزلت على خده  دمعه مسحها بطرف منديله . نظر اليّ وحاول أن يبتسم ثم قال ، من كتب الله له أن يعيش لن يقتله وباء كوليرا ولا غيره .    

جميع الحقوق محفوظة © الحقيقة الدولية للدراسات والبحوث 2005-2023