وفيات من الاردن وفلسطين اليوم الجمعة 25- 5- 2025 العراق.. طير زاجل يتسبب في سقوط قتيل ومصابين السبب الخفي وراء تفشي سرطان القولون بين الشباب! الاحتيال الصوتي بالذكاء الاصطناعي.. خطر متزايد يهدد الأفراد والشركات منتدون يحذرون من العودة لما قبل مسارات الإصلاح والقضاء هو الفيصل - فيديو سوريا: الرد على قذائف أطلقها حزب الله تجاه نقاط للجيش منظمة التحرير الفلسطينية توافق على استحداث منصب نائب للرئيس اختبار 4 أدوية للزهايمر لمعرفة أيها الأفضل الأونروا: الحصار "الإسرائيلي" على غزة يؤدي إلى نفاد الإمدادات الأساسية احذر مشروب صحي شائع.. به سعرات تفوق المشروبات الغازية أبرز المزايا الجديدة المُتوقعة في سماعات AirPods Pro 3 (خطر صامت) يتسلل إلى الشرايين ويهددنا بجلطات قاتلة خالد الشوابكة نقيبًا للجيولوجيين بالتزكية الحكومة : يجب توفير أسس النزاهة في عملية الاستقطاب والتعيين أمانة عمّان تحذّر: رسائل احتيالية تخدع المواطنين باسم المخالفات !

القسم : بوابة الحقيقة
سكّة بدون قطار
نشر بتاريخ : 5/18/2019 11:44:31 AM
د . عودة أبو درويش


بقلم: د. عودة أبو درويش

في أوّل يوم من رمضان ، كان على ناظر المحطّة الصغيرة ، أن يقضيه وحيدا . منذ ان توّقفت القطارات  عن الجري على سكّة الحديد قبل أكثر من عام ، ولأنّه مسؤول أمام الله وأمام نفسه فانّه أقسم أن يحافظ على هذه المحطّة كما هي بعد أن خدم فيها لأكثر من عشرين سنة بعد تدّرج في الوظيفة من مفتاحي ، يغيّر مسار القطار على السكّة الى أن أصبح مسؤولا عن كلّ ما فيها من أجهزة ، حتّى وان بدت هذه الأجهزة  قديمة ، الّا أنّه يعلم أنّ جهاز البرق استقبل آلاف البرقيّات عن مواعيد وصول القطارات ، وأرسل آلاف أخرى عن حالة القطارات ومواعيد مغادرتها محطّته . وأن دفتر المواعيد القديم والذي يقبع في درج المكتب الحديدي ، كان قد كتب فيه كثيرا عن ما حصل في أيّام المناوبات  . وبالرغم من أنّ القاعة الرئيسيّة في المحطّة بنيت أيّام الدولة العثمانيّة ، الّا أنّها احتفظت بتماسكها ولم يتسرّب من سقفها الماء أبدا أيّام الشتاء ، وبقي جوّهاّ لطيف أيّام الصيف .

لم يعد صوت صافرة  القطار يُسمع من بعيد ، ومنذ زمن لم تهتزّ العرّاضات الخشبيّة تحت خطّي السكّة ان مرّ فوقها القطار ، ولا داعي هذه الأيّام لتحضير ابريق الشاي المحلّى ، بانتظار وصول سائق القطار ومساعده ، يسألون عن الحال وعن السكّة وعن ابريق الشاي . وريثما يطمئن الميكانيكي على سلامة عجلات القطار ، والوقود في الخزّان ، يتبادل السائق وناظر المحطّة  الأخبار عن الادارة الرئيسيّة ، وعمن تقاعد من الزملاء الموّظفين القدامى ، أومن تعرّض لوعكة صحيّة أو رزقه الله بولد . ثمّ وبالموعد المحدد ، يطلق القطار صافرته ويغادر المحطّة ، ويلوّح السائق ومساعده بأيديهما موّدعين ، على أمل لقاء قريب . 

مثل كثير من المشاريع التي تتعثّر في البلد ، توّقفت السكّة عن العمل . احتجّ العمّال والموظفيّن على ذلك ، اعترضوا وأصابهم الذهول من مجرّد فكرة أن تتوّقف القطارات التي يعيشون هم واهلهم من الرواتب التي يتقاضونها ان سار القطار على السكّة . أقنعهم المسؤولين أنّ الأيّام القادمة ستشهد تطوّرا كبيرا في نقل البضائع بواسطة السكّة التي سوف تفكّر الدولة ببنائها . ولن يعود القطار لنقل الفوسفات فقط ولكن لكلّ حاويات البضائع التي تأتي الى ميناء العقبة وستتغيّر القاطرات وشاحنات الجرّ ، وستعمل الحكومة على صيانة الخطوط الحديديّة . حزن ناظر المحطّة وحزن كلّ العاملين وفهموا أن الخطوط الحديديّة الجديدة التي تعتمد على حرف السين ، لا تزال حلما بعيدا ، ربّما لن يشاركوا في تحقيقه .

بعد أن أفطر لوحده ، جلس يشاهد التلفاز القديم ، الذي يتوّسط القاعة الرئيسيّة في المحطّة ، وعلى القناة الوطنيّة كانوا يبثّون برنامجا عن السكك الحديديّة في احدى دول العالم الثالث الفقيرة ، وكيف أنّ القطار يصل الى كلّ المدن والقرى ، وينقل الركّاب والبضائع . قال المذيع انّ دولة ليس فيها نقل بالسكك الحديديّة دولة ضعيفة . تحسس ناظر المحطّة ابريق الشاي . لا يزال ساخنا ولكن لن يأتي أحد ليشربه .

جميع الحقوق محفوظة © الحقيقة الدولية للدراسات والبحوث 2005-2023