بقلم: د. عودة أبو درويش
تفقّد أبو احمد حظيرة البغل قبل أن
ينام ، ربّت على رقبته ، ومسح على شعراته
المتناثرة وتمتم بكلمات اعتذار عن اليوم الطويل الذي قضياه معا من أجل دنانير
قليله حصل عليها من ركوب المصطافين ، الذين يأتون إلى الغابة من أجل الراحة
والاستمتاع بالمنظر الجميل للجبال التي تطلّ على واد سحيق سلمت بعض جوانبه من زحف
الأبنية الإسمنتية وبقيت فيه بعض المزارع التي تعطي منظرا رائعا للوادي والجبال .
هزّ البغل الهرم رأسه وكأنّه قبل الاعتذار . أغلق رفيق دربه باب الحظيرة . فرك ذقنه فتذّكر أنّه لم يحلقها منذ أيّام . سلّم على
أمّ العيال . سكبت له كأس الشاي . قضم من رغيف الخبز وأكل حبّتين من الفلافل . سأل
عن الأولاد . تنّهدت أم أحمد وطمأنته وهي تعلم أنّه يعلم أنّ الأحوال غير ما تقول
. لقد ارتفعت أسعار كلّ شيء والنقود التي يحصل عليها من الناس الذين يتّنزهون
ويرغبون ، أو يرغب أولادهم ركوب البغل ، من باب التجربة والمتعة والتقاط الصور ،
قليلة ولا تكاد تكفي للطعام ، فكيف بمصاريف المدرسة والكهرباء والماء و
وغيرها .
بعد أن تقاعد من العمل كحارس ليلي في احدى الشركات ، كان لا بدّ أن يبحث عن
عمل من أجل توفير المال لأولاده الذين ما زالوا يذهبون الى المدرسة وهو يحثّهم على
ذلك . وباعتبار أنّ المكان المتواضع الذي يسكن فيه ويسمّيه بيتا يقع بالقرب من
الغابة القريبة من العاصمة ، والتي يأتي اليها المتنّزهون كثيرا ، يأكلون ويلعبون
وبعضهم يركب مع أبنائهم على الخيول أو البغال
. ومع أنّه يعرف أنّ الخيول مفضّلة من المتنزّهين أكثر ، مع قلّة من
يميّزون بين الخيل والبغال ، وأنّ حيوانات الركوب في الغابة أصبحت كثيرة ، وأنّه
لن يستطيع أن يدفع ضمان أحد الخيول ، رضي
أن يستخدم البغل ويقلل من اجرة الركوب ،
عسى أن يتغيّر حظّه فيحصل على ما يسدّ
رمقه ويكفي لاحتياجات عائلته .
فجر يوم الجمعة ، يوم العطلة الرسميّة ، حيث يكثر المتنّزهون في الغابة ،
وبعد أن صلّى أبو أحمد الفجر . شدّ السرج المزّين على البغل . سمّى بسم الله وعليه
توكّل ، ودّعته امرأته واضعة يدها اليمنى على خاصرتها ، والاخرى فوق فمها ، ثمّ من
دون أن تنتظر ردا ، تناولت المكنسة . بدأت العائلات تأتي الى الغابة في سيّاراتها
. طلب طفل من أبيه أن يركب على البغل ،
نهره وقال ، ستركب فيما بعد . أصبح الوقت ضحى . تعب أبو أحمد ، فجلس على حجر . ربط
حبل دابّته الى جذع شجرة ، وسحب الدابّة بعيدا عن الشارع . سمع فجأة صوت مكابح
سيّارة مسرعة ترتطم بقوّة بشيء ما . وقع البغل على جانبه ولم يستطع الوقوف . نزلت
من السيّارة الفارهة امرأة كانت تقودها . تفقّدت مقدّمة سيّارتها من دون أن تعير
الحيوان أو صاحبه اهتماما واتّصلت بأحدهم تخبره بأنّ بغلا غبيّا صدم سيّارتها .
أفاق أبو أحمد من المفاجأة . أخذ يلعن الحظ ويحاول أن يجعل البغل يقف . كان
واضحا أنّ أحد أطرافه قد كسر . صرخت المرأة
في وجهه ، تلومه على عدم انتباهه الى الطريق
التي تستخدمها سيّارات ثمنها آلاف كثيرة
من الدنانير ، ثمّ توّعدته بالويل والثبور ، وهو صامت لا يتكّلم . أخرجت علبة
سجائرها وأشعلت واحدة بعصبيّة . وصلت سيّارة فارهة أخرى نزل منها شاب يحمل بيده
مسدّس و يصرخ ، أين هذا الحيوان الذي يقود حيوانا ولا ينتبه
الى الطريق . حجز بينه وبين أبو أحمد الناس . أحدهم حاول أن يشرح أن الحادث تسببت
به السيّارة وليس الدابّة . خالفه الرأي الآخرين ، بعد أن عرفوا أنّ المرأة والشاب
أبناء أحد السادة المتنّفذين . وأنّهم لا بدّ سيثبتون أنّ الحقّ على البغل الذي لم
ينتبه الى أنّ سائقة السيّارة كانت تتحدّث بهاتفها مع صديقتها التي سبقتها الى
النادي . لم تهتمّ المرأة التي دهست البغل ، ولا الذي أتى لنصرتها لآراء الناس ولا
للحيوان الملقى على الأرض ، أو لصاحبه الذي عقدت لسانه الحادثة . ركبا سيارتيهما ورحلا .
نزلت دمعة حرّى من عين أبو أحمد على رقبة البغل ، الذي كان يأنّ من الوجع
ومن جور الأنسان .