بقلم: د هايل ودعان الدعجة
يبدو ان توقيت وصول الرئيس الأميركي دونالد ترامب الى كرسي الرئاسة ، لم يكن في صالح ايران التي سبق لها وان استغلت الضبابية في سياسة إدارة باراك اوباما السابقة في المنطقة وترددها في التعاطي مع ملفاتها وقضاياها ، كما هو الحال في ملف الازمة السورية ، بطريقة أسهمت في تمدد نفوذها الإقليمي الطائفي عبر نشر اذرعها وميليشياتها الشيعية ممثلة بحزب الله والحشد الشعبي وجماعة الحوثي في سوريا والعراق ولبنان واليمن ، لتجعل من هذه الاذرع فصائل عسكرية موازية للجيوش النظامية في هذه الدول لاثارة الفوضى واضعافها ونشر مشروعها الطائفي فيها . إضافة الى توجهها لاقامة قواعد بحرية في سواحل سوريا واليمن لاساطيلها ، وكذلك مشروعها الاستراتيجي البري الذي تطمح من خلاله الى الوصول الى لبنان عبر الأراضي العراقية والسورية ، بهدف السيطرة على المشرق العربي ، مستغلة الفوضى والاضطرابات التي عصفت بالمنطقة على وقع الغزو الأميركي للعراق وثورات الربيع العربي . لذلك لم يكن مستغربا انزعاج ايران من مفاوضات استانا الرامية الى تثبيت وقف اطلاق النار في سوريا ، لأن ذلك يتعارض مع الأهداف التي تتطلع الى تحقيقها من وراء مشاركتها في الازمة السورية ممثلة بسياسة التغيير الديمغرافي وإحلال المكون الشيعي محل المكون السني في الأماكن السنية التي يتم اخراج قوات المعارضة المسلحة منها ، خاصة بعد التدخل الروسي كما حصل في شرق حلب ، وما رافق هذا التدخل من تغير في موازين القوى لصالح النظام السوري والميليشيات الشيعية التابعة لإيران التي سعت الى توظيفه في خدمة مشروعها الطائفي . الامر الذي تنبهت له روسيا التي ادركت ان عملياتها العسكرية تخدم الاطماع الإيرانية في سوريا ، التي تريد اخراجها من دائرة النفوذ الإيراني لا الاسهام في تكريسه ، خاصة في ظل الاطماع والمصالح الإيرانية في تصدير الغاز الى أوروبا عن طريق الساحل السوري ، وهو ما تخشاه روسيا التي لا تريد ان يكون لها بديلا في المنطقة لتصدير هذه المادة الاستراتيجية الى أوروبا .
كذلك فان روسيا التي التقطت إشارات إيجابية من الإدارة الأميركية الجديدة ، تدفع باتجاه التقارب بين موسكو وواشنطن ، قد تجد نفسها مضطرة لأن تأخذ باعتبارها موقف هذه الإدارة المعادي والمعارض للاتفاق النووي وتمدد نفوذ ايران في الاقليم وتدخلها في شؤون دول المنطقة ، وتهديدها المصالح الأميركية ، وبرنامجها الصاروخي ، لدرجة انها اجرت مؤخرا تجربة صاروخ باليستي وصفتها الإدارة الأميركية بالعمل الاستفزازي الذي ينتهك الاتفاق النووي والقرار الدولي رقم 2231 الذي يطالب ايران بعدم القيام باي نشاط له علاقة بالصواريخ الباليستية القادرة على حمل رؤوس نووية ، ما دفع ترامب الى القول بان ايران تلعب بالنار ، الى جانب الحديث عن توجه أميركي بادراج الحرس الثوري الإيراني على لائحة التنظيمات الإرهابية . الامر الذي قد يجعل روسيا تفكر بعدم معارضة الموقف الأميركي او على الأقل التزام الحياد حياله ، خاصة انها تدرك حجم القوة الأميركية ، وانه لولا التساهل الأميركي معها في عهد إدارة أوباما لما أمكنها التدخل في الازمة السورية بهذه الصورة ، وحتى لا تفوت فرصة التقارب مع اميركا ، التي تعول عليه في رفع العقوبات الغربية المفروضة عليها على خلفية ضمها لشبه جزيرة القرم وتدخلها في شرق أوكرانيا ، وربما فكفكت الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي ( الناتو ) في ظل ترحيب ترامب بخروج بريطانيا من الاتحاد ، وتشجيعه للدول الأخرى بان تحذو حذو بريطانيا ، الى جانب اعتباره ان الناتو عفا عليه الزمن . واذا ما اضفنا الى ذلك التقارب الروسي التركي الذي قاد الى اطلاق يد روسيا في حلب مقابل اطلاق يد تركيا في مدينة الباب ، كما يرى البعض . وكذلك التقارب التركي السعودي لمواجهة الاخطار والتهديدات الإيرانية في المنطقة ، ما دفع وزير خارجية تركيا مولود جاويش اوغلو في مؤتمر ميونخ للامن الى القول بان ايران تسعى الى جعل العراق وسوريا دولتين شيعيتين . وكلها تطورات فرضت نفسها على المشهد الإقليمي وقد تتخذ شكل الضغوطات على النظام الإيراني بضرورة إعادة حساباته ، والا وجد نفسه وحيدا في مواجهة قوى إقليمية ودولية تعارض اجنداته في المنطقة .