بقلم: د هايل ودعان الدعجة
تكاد تكون ثقافة مستشرية في بعض دوائر القطاع العام ومؤسساته ، تلك السلوكيات اللامسؤولة التي يمارسها البعض بحق المال العام من نهب وسلب وسرقة ، واعتبارها بطولة ورجولة وفهلوة ، تجعله مؤهلا للاستمرار في العمل والارتقاء في السلم الوظيفي والحصول على مواقع ودرجات متقدمة ، لانه يسير مع التيار ويحظى برضا وثقة عرابي الفساد من الشلة المتنفذة من بعض أصحاب النفوذ (المتغلغلين) في مفاصل هذه المؤسسات ، ويسيطرون عليها ويتحكمون بقراراتها وسياساتها وبالمستقبل الوظيفي للعاملين فيها . اما من يكون غيورا وحريصا على مصلحة الوطن والمال العام ، فينظر له من قبل هذه الشلة بازدراء واستهزاء وربما بشفقة ، وانه يغرد خارج سربها ويعيق اجنداتها المصلحية ، ولا بد من استئصاله والخلاص منه ، والدفع به الى خارج المؤسسة ، وخارج دائرة نفوذ هذه العصابة المتنفذة وتأثيرها بمجرد ان تتاح لها الفرصة بعد ان وضعته على القائمة السوداء ، لتبقي على خيوط شبكة مصالحها متماسكة ومتواصلة بعيدا عن أي إعاقات او اختراقات قد يتسبب بحدوثها أمثال هذا (الوطني) الغريب والدخيل على منظومتها الوظيفية !! . وقد تجد هناك من يقدم النصح لهذا الشريف مراعاة لمصلحته ، وخوفا عليه وعلى مستقبله ، اذا ما أراد الاستمرار في العمل ، وحتى لا يتم استهدافه ، ويعرض نفسه للعقوبات وربما يفقد وظيفته من خلال مطالبته بضرورة التخلي عن مواقفه ، وتحت شعارات انهزامية من مثل عدم حمل السلم بالعرض ، وهل تريد اصلاح الكون ، انت دافع من جيبتك، انت اغنى من الدولة ، وغيرها من العبارات الاستسلامية التي تمثل البيئة المناسبة لنمو هذا السرطان وتمدده داخل مؤسات الدولة .
وحتى عندما يكتشف او يلاحظ وجود مخالفات او تجاوزات مالية او إدارية في المؤسسة التي يعمل بها ، ويضع المسؤول عنه بصورتها ، والذي قد يكون من الشلة إياها ، تجده يشكره ويمتدحه ويثني عليه لامانته واخلاصه ، دون ان يدرك بانه دخل دائرة الخطر والاستهداف ، واصبح على اجندات العصابة التأمرية ، التي تبدأ تفكر بتصفيته وظيفيا بعد ان أقترب من عش الدبابير ، ذنبه انه غيور على المصلحة العامة ، دون ان تجد من ينصفه او يحميه او يدافع عنه.
واذا ما ذهبنا الى ابعد من ذلك في تتبع مسارات هذه الثقافة الموغلة في بعض مؤسسات القطاع العام ، فقد نصاب بالدهشة والحيرة على وقع المصطلحات التي يستخدمها مروجي هذه الثقافة في بعض الدوائر الرسمية في وصف الشخص الوطني ، النظيف والنزيه والغيور على مصالح الوطن ، عبر نعته " بالمسكين " كناية عن معاني أخرى مقصودة يخفيها وراء استخدامه لهذا المصطلح بلغة لا تخلو من الاستهزاء والاستخفاف باصحاب المواقف الوطنية المشرفة في مؤسسات الدولة مثل ، على البركة ، بده يقيم الدين بمالطا ، وين عايش ، من أي كوكب قادم ، ما بعرف مصلحته ، خلي غيرته تنفعه !! حتى أصبحت الغيرة الوطنية تهمة من وجهة نظر هؤلاء اللصوص الفاسدين الذين انتفخت كروشهم وجيوبهم من خيرات البلد ، ومن بوابة الشللية واستغلال الوظيفة. فوفقا لمنطق هذه الزمرة من لصوص القطاع العام ، عليك ان تنخرط في اجنداتها الفاسدة حتى تقي شرورها ، وتفتح امامك أبواب المستقبل ، وتنعم ببركات الوظيفة والمنصب الوظيفي ، والا ستكون خارج الحسابات الوظيفية النفعية والمستقبلية ، وسيكون مصيرك الفشل .
من هنا دخلت المديونية بارقام فلكية ، وبيعت أصول الدولة ومؤسساتها الحيوية ، وساءت أوضاعنا الاقتصادية والمعيشية ، وتفشت ظاهرتي الفقر والبطالة ، وداهمنا غول الغلاء ، فمن يغلق باب الفساد بمفتاح الوطنية ؟ .