مَن مِنّا تابع " العرس"!!!
الديمقراطيّ التركيّ ولم تَنْتَبْهُ مشاعر جيّاشة مضطربة متناقضة، بين فرح وحزن
ورضا وأسى وأمل وألم وسكون وثورة .... إلخ.
نعم، نفرح للمستوى الحضاريّ السامي
الذي ظهر في دولة يجمعنا بها الشرق والجوار والتاريخ وشرف الإسلام، ونأسى على حال
أمتنا العربية بعد أكثر من مائة عام من الانفصال عنها، والسعي نحو الحرية
والاستقلال والديمقراطية، فيصدع رؤوسنا ألف سؤال وسؤال، تدور في فلك استفهام
تفجّعيّ تحسّريّ كبير: (لماذا يفشل العرب، ويفلح الآخرون؟؟؟).
نضجتْ معظم أمم الدنيا ذات الشأن، وما
زال معظمنا لا يفهم من الديمقراطية إلّا أنها " عرس" إعلاميّ استعراضيّ
فقاعيّ، يُنتج غالباً زبداً رابياً يذهب جُفاءً، وجدىً نافعا شحيحا عزيز المنال.
ونستقري التاريخ لنتستقرئ منه تفسيرا لهذا
المآل المائل، فنجد الشورى الراشدة قد طُويتْ في ثلاثين سنة قُتل فيها ثلاثة خلفاء
هم من أعظم الصحابة وقادة التاريخ والفاتحين، رضوان الله تعالى عنهم أجمعين،
وتخللتها مبكراً حروب الردّة الطاحنة، وصرخات " الحطيئة " المعلنة
للعصيان، المتمردة على الروح الطائعة:
أطعنا رسولَ الله ما كان بيننا فيا لَعباد الله ما لأبي بكر!!!؟؟؟
أيورثها بــكراً إذا مات بعده؟ وتلك لَعَمْرُ الله قاصمةُ الظهر!!!
وقاصمة الظهر هذه سرعان ما ظهرت في
عهد سيدنا معاوية بن أبي سفيان، وذلك بتوليته ابنه (يزيد) ولاية عهده، والخلافة من
بعده.
ونترك "ابن الأثير" في
كتابه "الكامل" ج2 ص140 وما تلاها، يحكي لنا الحكاية وننقلها عنه بتصرف
قليل، واختيار يكفي للتدليل والتمثيل:
وكان ابتداء ذلك وأوله من المغيرة بن
شعبة (أحد دهاة العرب)، فإنّ معاوية أراد أن يعزله عن الكوفة، فبلغه ذلك، فقال: الرأي
أنْ أشخص إلى معاوية، فأستعفيه ليَظهر للناس كراهيتي للولاية(كما يحصل مع كثير من
المدّعين في هذا الزمان)، فسار إلى معاوية، وقال لأصحابه حين وصل إليه: إِنْ لم
أُكسبْكم الآن ولاية وإمارة لا أفعل ذلك أبدا.
ودخل على يزيد فقال له: إنه قد ذهب
أعيان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وكبراء قريش، وإنما بقي أبناؤهم، وأنت من
أفضلهم، وأحسنهم رأياً، وأعلمهم بالسنّة والسياسة (لاحظ الدهاءوالتحايل والتزلف)،
ولا أدري ما يمنع أمير المؤمنين أن يعقد لك البيعة. قال: أوَ ترى ذلك يتمّ؟؟؟!!!
قال: نعم. فدخل يزيد على أبيه وأخبره. فاستدعى معاوية المغيرة، واستنطقه، فقال: يا
أمير المؤمنين، قد رأيتَ ما كان من سفك الدماء والاختلاف بعد عثمان، وفي يزيد منك
خَلَف، فاعقِدْ له لنتجنّب الفتنة بين الناس بعدك.( لاحظ أفاعيل البطانة
وأحابيلها). قال معاوية: ومَن لي بهذا؟! فردّ المغيرة: أنا أكفيك أهل الكوفة،
ويكفيك زياد( المقصود: زياد ابن أبيه) أهل البصرة، وليس بعد هذين المِصرين أحد
يخالفك. فأبقاه معاوية على ولاية الكوفة، (فنال بذلك مراده)، وأمره بالسعي في هذا
الأمر هناك، فرجع المغيرة إلى أصحابه وقال لهم: لقد وضعتُ رِجل معاوية في غرز بعيد
الغاية على أمة محمد، وفتقتُ عليهم فتقاً لا يُرْتق أبدا.
وهكذا كان، فقد بدأ العملُ على تنفيذ
هذا الأمر، واشتدّ الخلاف وطال، واستحرّ النقاش والجدال، وخيّم الترغيب والترهيب،
والوعد والوعيد.......
عامّة الناس ساهون لاهون ينتظرون لمن
تكون الغلبة، فيدورون في فلكه.......
وأما خاصّتهم فقد انقسموا بين جريء
يجاهر بالحق ويرفض البيعة، فيدفع ثمن جرأته غالياً، فهذا عبد الرحمن بن أبي بكر
يصرخ في وجه مروان بن الحكم الأموي والي المدينة قائلاً له: ما أردتم الخير لأمة
محمد، ولكنكم تريدون أن تجعلوها هرقلية، كلما مات هرقل قام هرقل.
وقال مثل قوله الحسين بن علي، وابن
عمر، وابن الزبير، وغيرهم، فأوذوا جميعاً رضي الله عنهم.
وبين حكيم ناصح، لكنه هيّاب متردّد
متلجلج، فهذا " الأحنف " يجيب عندما سأله معاوية: ما تقول يا أبا بحر؟
فقال: نخافكم إِنْ صدقْنا، ونخاف الله إِنْ كذبْنا، وأنت - يا أمير المؤمنين -
أعلمُ بيزيد في ليله ونهاره وسره وعلانيته (يُلمح بذلك إلى أنه لا يصلح).
وبين صيّاد مَصالح يزيّف الحقائق
ليحقق المآرب الخاصة والمنافع الشخصية، فهذا يزيد بن المقنَّع العذري يقف في الجمع
متسلحاً بالتزلف صائحاً : هذا أمير المؤمنين، وأشار إلى معاوية، فإنْ هلك فهذا،
وأشار إلى يزيد، ومَن أبى فهذا، وأشار إلى سيفه. فقال معاوية: اجلس، فأنت سيّد
الخطباء !!!!
وهذا هو الذي كان، وقضي الأمر، وأصبح
سُنّة لا حياد عنها، ولا انفكاك منها، فالسيف الذي أشار إليه يزيد بن المقنّع أصبح
شيخ الديمقراطية الجليل في عالمنا العربي العليل:
إمّا أنْ تكون معي، أو تحكم على نفسك
بأنك عدوي......
وها هي بلداننا العربية تتهاوى تباعاً
لأنّ معظم أعراسنا الديمقراطية تكثر فيها المناسف والكنائف، والمواكب والموائد،
والتطبيل والتزمير....لكنها تكاد تخلو من الصناديق النزيهة والأصوات الحقيقية للشعوب،
التي تُجلد جلداً وتُجلب جلباً في كلّ مغرم، لكنها تُطرد شرّ طِردة عند كلّ
مغنم!!!!
فمتى نتشبه بكرام الخلق لنفلح
مثلهم؟؟؟!!!
فتشبّهوا إنْ لم تكونوا مثلهم إنَّ التشبّهَ بالكرام فلاحُ.